15 سبتمبر 2025
تسجيلكثيرة هي المواقف التي وقفتها مبهورا أمام "أشياء الحضارة"، انبهار إعجاب، أو انبهار استياء! إلا هذه المرة، فقد وقفت مشفقا، غاية الإشفاق، إثر تلقي مقال مترجم من أخ عزيز، يعيش وراء المحيطات، في أمريكا. وهذا المقال المترجم يتحدث عن كتاب زعم أن كل أحد في الغرب يقرأه! عنوانه: موت الغرب death of the west. وبعد أن طالعت المقال، استفسرت عبر الهاتف، هذا الأخ العزيز، إن كان هذا الكتاب هو عين الكتاب الذي صدر منذ زمان طويل، بذات العنوان لازوالد اشبنجلر؟ فرد بأنه ليس متأكدا إلا من أن الكتاب قد صدر حديثا. ومهما يكن من شيء، فإن مضمون الاستعراض الموجود في المقال المترجم، هو ذات محتوى كتاب اشبنجلر! وقبل الشروع في عرض مضامين الكتاب، التي حواها المقال المترجم، لا بد من أن أسارع إلى محو وهم يقع فيه شبابنا، من أن قراءة الكتب قد أضحت من أحاديث الغابرين، بعد سيادة النشر الإلكتروني! حيث إنني اطلعت من قريب، على تقرير، لا أدري أدوري هو، أم سنوي، صادر عن منظمة اليونسكو، عن صناعة وانتشار "الكتاب" في العالم، وفيه: أن إسبانيا تأتي في ذيل قائمة الدول الأوروبية، من حيث صناعة وانتشار الكتاب، ومع ذلك - وههنا المفارقة - فإن ما تصدره سنويا من الكتب يفوق كل ما تصدره الدول العربية مجتمعة! وبالعودة إلى المقال المترجم، والذي أثار شفقتي! عن موت الغرب، يقول: إن الغرب يموت هذه الأيام، موتتين لا موتة واحدة فقط!، الموتة الأولى: موتة أخلاقية، تتمثل في السقوط المريع للقيم التربوية، والأسرية، والأخلاقية التقليدية! الموتة الثانية: موتة ديموغرافية بيولوجية، وتتبدى في النقص المريع في عدد السكان، حيث يقل عدد المواليد، وبالتالي عدد الشباب، وترتفع في المقابل أعداد فئتي الكهول والشيوخ ! ويستنجد كاتب المقال بالمؤشرات التي تفصح عنها السجلات الحكومية، والتي تشير إلى اضمحلال القوى البشرية، وإصابة المتبقي منها بشيخوخة لا شفاء منها، إلا بإجراءين اثنين: ١/ عاجل قريب المدى: ويتمثل في فتح باب الهجرة النظامية لفئة الشباب حصريا من دول العالمين، الثاني والثالث. ٢/ متوسط وطويل الأمد، ويتمثل في ثورة حضارية مضادة، تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى سدة قيادة المجتمعات، وتوجيهها. ويرفع كاتب المقال عقيرته، بما يشبه الصراخ! محذرا من أن الموتتين اللتين يموتهما الغرب الآن أسوأ كثيرا من "الوباء الأسود"، الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر! لأن ذلك الوباء الفتاك، كان يصيب كل فئات السكان، بينما "يتخصص" وباء الموتتين الحالي في فئتي الأطفال والشباب، دون الكهول والشيوخ، الأمر الذي سيجعل من أوروبا، دون غيرها من العالمين، وفي مدى زمني قريب: "قارة العواجيز"! ويؤكد كاتب المقال، أن الكتاب المثير للشفقة والهلع، لا يتحدث عن تنبؤ، ولا تخمين، ولا توقع، ولا احتمالات،! وإنما يبسط واقعا صادما، تتحدث عنه الأرقام.. فوفقا لأحدث الإحصاءات، هبط معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية إلى "طفل واحد" لكل امرأة، في حين أن الحاجة تدعو إلى "طفلين اثنين"، حدا أدنى لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن. إذا بقي معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية على ما هو عليه الآن، فإن سكان أوروبا، البالغ عددهم (٧٢٨) مليون نسمة، وفقا لإحصاء عام ٢٠٠٠، سيتقلص إلى (٢٠٧) ملايين نسمة، أي أقل من الثلث. وتصبح الأرقام أكثر توحشا حين النظر إلى تناقص السكان في بعض الدول الأوروبية بعد خمسين عاما فقط، فمثلا سيهبط التعداد السكاني في ألمانيا من (٨٢) مليونا، إلى (٥٩) مليونا، وفي إيطاليا سينخفض عدد السكان من (٥٧) مليونا، إلى (٤١) مليونا، وفي روسيا سيهبط عدد السكان من (١٤٧) مليونا، إلى (١١٤) مليونا، وفي إسبانيا ستكون نسبة الهبوط ٢٥ %، ولا تتخلف اليابان كثيرا، عن مسار الموت الديموغرافي البيولوجي، حيث هبط معدل المواليد إلى النصف، مقارنة بالعام ١٩٥٠. ويتساءل كاتب المقال الحزين، في أسى وحسرة: لماذا توقفت شعوب أوروبا عن إنجاب الأطفال، وتقبلت فكرة اختفائها تدريجيا، عن وجه هذه الأرض، بمثل هذه اللامبالاة؟ ويجيب متنهدا: إنها النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب، والموت الأخلاقي الذي جرته هذه الثقافة، على الغربيين، وكانت سببا للموت الديموغرافي البيولوجي ! والعلاج كما يقترحه الكاتب: عودة القيم الدينية، وبالتالي عودة الأسرة المتماسكة، لأن هذين العاملين الحاسمين يقفان بكل قوة في وجه منع الحمل، والإجهاض، والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، والعلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد (اللواط والسحاق). ويختم الكاتب مقاله الحزين بإحصائيات مخيفة جدا لعمليات الإجهاض، والسماح بوجود أطفال خارج كنف الأبوة والأمومة، والأكثر إزعاجا من كل ذلك، أن هذا العبث العابث قنن له بقوانين، بل ضمن في بعض الدساتير، لبعض الدول (الإسكندنافية مثلا) ! ويقول الكاتب فيما يشبه البكاء: إن هذه النتائج المنتظرة لمجتمع منحط، وحضارة تحتضر، بل تموت، في بلاد تزعم أنها حرة، ولا وجود لحرية دون فضيلة، ولا وجود لفضيلة بغياب الإيمان.