16 سبتمبر 2025
تسجيلأجهز اقتحام الكونغرس من قبل عصابات يمينية متطرفة تساند ترامب على ما تبقى من ثقة المواطن الأمريكي في المؤسسات الدستورية في نهاية عهد ترامب، ولأول مرة في التاريخ أوقفت إدارة تويتر وفيسبوك وانستغرام حسابات ترامب، ثم حين وقفت الآنسة الحسناء (كايليه ماك إينيني) 31 سنة الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض أمام الإعلاميين لآخر مرة (وهي الناطقة الرسمية الرابعة منذ 2016 .. الذين أقيلوا قبلها لأنهم لم يعجبوا الرئيس ترامب مثل بقية الوزراء والمستشارين الكبار الذين لم يأمنوا غضب ترامب فأقالهم وعين آخرين لم يبق واحد منهم في منصبه أكثر من سنة وشهر وهي أطول أمل حياة الحاشية الترامبية!)، حين وقفت وتكلمت للمرة الأخيرة كانت أسئلة الإعلام مفاجأة لها، لأنها لم تكن تدور حول مصائب الشرق الأوسط كعادتهم، خاصة أن طبول الحرب بدأت تقرع بين واشنطن وطهران وأن مضيق هرمز أصبح البؤرة الأولى المؤهلة لهذا الصدام المتوقع، بل جاءت الأسئلة هذه المرة حول مصائب أمريكا الداخلية الراهنة والتي ظهرت على سطح الاحداث مع تعملق الصين بامتلاك 8000 مليار دولار "أمريكي" في خزينتها، أي إن الصين أصبحت تقريبا في مستوى الولايات المتحدة في امتلاك المخزون بالدولار عملة أمريكا الأسطورية الطاغية وما ينجر عن ذلك من التلاعب في العملات المستعملة في المبادلات التجارية الدولية وخاصة البترول والغاز!. هذا بالتزامن مع انهيار شركات أمريكية عملاقة تعتبر الأسس التقليدية للبنية التحتية للمجتمع الأمريكي وضماناته للريادة العالمية، وتم انهيار هذه الشركات وأولاها هما شركة (وورلد كوم) وشركة (زيروكس) الأولى سيدة الأسواق في الهواتف بعيدة المدى، والثانية أكبر مصنع لأجهزة المكاتب. والشركتان ترفعان الاقتصاد الأمريكي في العالم منذ عشرين عاماً إلى الدرجة الأولى من القوة، ولا ننسى أن القضاء الأمريكي هذا الأسبوع يشعر بخيبة أمل في زميله القضاء البريطاني الذي لم يقبل بتسليم (جوليان أسانج) صاحب (ويكيليكس) المطلوب للعدالة الأمريكية، بما اتهمته به من جرائم التجسس والاعتداء على مواقع أمنية ودبلوماسية حساسة!. حين وقفت الناطقة باسم البيت الأبيض لم تكن مرتاحة لوضعها بل كانت في "موقف بايخ" وهي تدرك أن زملاءها يدركون أن رئيسها لم يبق له في البيت الأبيض سوى أيام معدودات، وأن فضيحة التسريب الذي كشفته عدوته اللدودة (الواشنطن بوست) للاتصال الهاتفي بين ترامب والسكرتير الجمهوري لولاية جورجيا أكمل الإجهاز على ما تبقى لعهده من هيبة!. كانت الناطقة مقطبة الملامح وهي تنقل للإعلام غضب الرئيس عما يسميه "عداء الإعلام له" ودعت بدورها الإعلاميين لتقول لهم ان الرئيس مستاء جدا من انحياز الإعلام ضده وافلاس الشركات بسبب اكتشاف تدليس حساباتها وتضخيم ارقام أرباحها، وأعلن الرئيس ان المحاكم الفيدرالية الأمريكية سوف تحاسب هذه المؤسسات الاقتصادية على كل تلاعب بالأرقام، كما ستحاسب الذين دلسوا نتائج انتخابه رئيسا للعهدة الثانية 20-24، وقد بدأت المحاكم بالفعل تلاحق شركة انرون وشركة وورلد كوم وستطال شركة زيروكس. وهكذا نلاحظ ان الزلزال الاقتصادي الذي يضرب الولايات المتحدة ليس هيناً ولا عابراً ولا سطحيا فهو يقاس بسبعة على سلم الزلازل الاقتصادية، تزامنا مع المؤامرات الانتخابية التي ظهر أن ترامب تخيلها ولا أحد يوافقه عليها!. فالقضية ليست في تدليس انتخابات أو تلاعب بحسابات بل قضية أخلاق وانحراف عقلي، كما وصفها كاتب افتتاحية الواشنطن بوست، تنعكس على المواطن الأمريكي الذي أودع أمواله ومدخراته في هذه الشركات كما أودع صوته لهذا المرشح أو ذاك، ثم فجأة يقال له ان أسهمه قد هبطت أو انهارت وأن صوته وقع التلاعب به!. استمع الأمريكان للأستاذ الأمريكي الشهير في الاقتصاد (ريتشارد لينوز) يقول لهم على شاشة التلفزيون: "ان انهيار الشركات الكبرى والتشكيك في نزاهة الانتخابات يخلقان في أمريكا مناخاً نفسياً مخيفاً مثل الذي خلقه وباء كورونا 19، فنحن لم نعد نعرف عدد الشركات الأمريكية التي زينت أرباحها وغشت مساهميها؟!". ويضيف قائلا: "ان قوة المجتمع الأمريكي كله قائم على نجاح مؤسساته الديمقراطية سياسيا واستقرار شركاته العملاقة اقتصاديا، ومنهما يستمد قوته ورفاهية مواطنيه، فإذا اهتزت هذه الخلايا فإن المجتمع الأمريكي سوف يبدأ طريق الانحدار. والأخطر هو ان سيد العملات (الدولار) قد تحمل تداعيات انعدام ثقة المساهمين فتوازى لأول مرة منذ عقد مع العملة الصاعدة "اليورو" في أسواق الصرف ثم ارتفع اليورو عن الدولار إلى درجة ان البنوك المركزية من اليابان إلى الاتحاد الأوروبي تعاونت على انقاذه من مزيد السقوط وذهب بعض المتشائمين إلى القول بأن أمريكا مقبلة على أزمة كبيرة شبيهة بما وقع لها عام 1929 قبيل الحرب العالمية الثانية حين انفجر الاقتصاد الأمريكي ومن هؤلاء الاستاذ الفرنسي في الاقتصاد (جون بيار بوتي) الذي قال لصحيفة لوموند بأن أمريكا لم تنهض من أزمة 1929 إلا عام 1955 حين تعملق الاتحاد السوفييتي وجاءت الحرب الباردة". وفي هذا المناخ المنذر بالأخطار سوف نرى كيف سيتصدى الرئيس الجديد جو بايدن لمعضلة تحديد سياسة داخلية وخارجية واضحة ومنطقية لأن انعدام الثقة قد يتحول مع الزمن إلى حالة من الرعب ازاء اقتصاد امريكي صار فجأة هشاً وقابلاً للانحدار والتراجع إلى جانب قوى أخرى صاعدة مثل الصين أو روسيا أو حتى الاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل وتركيا. كاتب تونسي [email protected]