12 سبتمبر 2025
تسجيلالعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على إيران انتقلت إلى مجالات مفصلية بالنسبة للطرفين، فالغرب وعلى مدى ثلاثين عاما تحاشى وبكل السبل الاقتراب من العوامل التي يمكن أن تؤثر في إمدادات النفط للأسواق العالمية، وذلك لاعتماده الكبير على النفط المستورد، أما إيران، فإن قطاع النفط بالنسبة لها يعني إما الازدهار وتمويل برامجها النووية والعسكرية وإما الانهيار الاقتصادي. لذلك، فإن الصراع خلال العقود الثلاثة الماضية بين الطرفين تجنب موضوع النفط لما له من تأثيرات كبيرة على اقتصاداتها وعلى الاقتصاد العالمي ككل، إلا أن ازدياد حدة التوتر وإصرار إيران على المضي قدما في برنامجها النووي والتغيرات المتسارعة في المنطقة اكسب هذا الصراع مضامين جديدة في الوقت الحاضر تتعدى مسألة إمدادات النفط لتشمل قضايا اقتصادية وأمنية وسياسية معقدة وتحمل طابعا استراتيجيا للجانبين. ويرى الغرب أنه حان الوقت لتطال العقوبات الاقتصادية العمود الفقري للاقتصاد الإيراني ومصدر دخله الأساسي، وذلك بعد أن تمكنت إيران من مواجهة أشكال الحصار الاقتصادي الأخرى، وذلك بفضل العائدات الهائلة من النفط والتي منحتها مرونة كبيرة للتعامل مع الإجراءات الأوروبية الرامية إلى إخضاع برنامجها النووي لوكالة الطاقة الذرية. ومع أن بلدان أوروبية أعلنت عن إجراءات لتقليص وارداتها من النفط الإيراني، إلا أن الولايات المتحدة اتخذت إجراء آخر غير مباشر ربما تكون له تداعيات أشد على صادرات النفط الإيرانية، وهو فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني بقرار من الرئيس الأمريكي، مما سيؤدي إلى الحد من قدرة المشترين للنفط الإيراني من تسديد قيمة مشترياتهم، خصوصا وان مبيعات النفط العالمية تتم بالدولار الأمريكي وتمر معظم الصفقات عبر النظام المالي والمصرفي في نيويورك. وفي البداية حاولت واشنطن فرض حظر على إمدادات النفط الإيرانية، إلا أن الأسواق الآسيوية تجاهلت هذه الدعوة لاحتياجاتها المتنامية للطاقة، علما أن إيران تمنح مدد طويلة لتسديد مبيعاتها من النفط، مما أدى إلى تراكم المبالغ المستحقة على الهند إلى أكثر من ملياري دولار. وبالإضافة إلى تأخر تسديد مبيعات النفط، فإن البلدان الآسيوية، وبالأخص الصين والهند تستغل هذا الخلاف بين إيران والغرب للحصول على خصومات على مشترياتها من النفط الإيراني، حيث تضطر إيران إلى تقديم هذه الخصومات من جهة وإلى مقايضة النفط بسلع أخرى من هذين البلدين، مما يحملها خسائر فادحة. لذلك، فإن الحصار المالي لمبيعات إيران من النفط ربما يكون من وجهة النظر الأمريكية أكثر جدوى وفعالية، خصوصا وان محاولات إيران وقبلها نظام صدام حسين لبيع النفط بعملة غير الدولار لم يحالفها النجاح، إذ يتوقع أن تساهم الإجراءات الأميركية الجديدة في تخفيض مبيعات النفط الإيرانية بمقدار الربع، علما بان إنتاج إيران من النفط بلغ 3.6 مليون برميل يوميا في شهر ديسمبر الماضي. وبالإضافة إلى تراجع مبيعات النفط، فإن وضع قيود على المعاملات المالية للبنك المركزي الإيراني سيؤدي أيضاً إلى تأثر الصادرات والواردات الإيرانية بشكل عام، وبالأخص إذا ما انضمت بلدان الاتحاد الأوروبي وبنكها المركزي لهذه العقوبات الجديدة. الرد الإيراني على هذه الإجراءات الجديدة لم يكن اقتصاديا لأنها ببساطة لا تملك ما تحارب به على هذه الجبهة، بل إنه حتى قراراتها المتسرعة التي اتخذتها ضد التجارة مع بعض بلدان المنطقة سرعان ما تراجعت عنها، فالضرر في حالة استمرارها سيصيب الاقتصاد الإيراني في مقتل، بدليل إخفاض قيمة العملة الإيرانية "التومان" 10 % بمجرد الإعلان عن تقييد التجارة مع دول الخليج العربي من جانب واحد. وبما أن هذه الأداة الاقتصادية غير متوفرة، فإن الرد الإيراني جاء من خلال استعراض القوة والقيام بمناورات بحرية في مضيق هرمز والمحيط الهندي في الأسبوع الماضي في إشارة قوية على أن في وسع إيران إغلاق المضيق في حالة تعرض صادراتها للمزيد من العقوبات من جانب الغرب. والحقيقة أن المضيق لم يعد بالأهمية الاستراتيجية السابقة، وذلك بعد أن امتدت خطوط نقل النفط والغاز في كل الاتجاهات، من الخليج إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط وخليج عمان على المحيط الهندي، كما أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة دفع بالعديد من البلدان في إفريقيا مثل انغولا وغانا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية الغنية بالنفط إلى زيادة الإنتاج في الآونة الأخيرة. أما بلدان منظمة الأوبك ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها ملتزمة حتى الآن بحصصها المقررة ضمن سقف الاوبك، وذلك رغم وجود فائض لديها في طاقتها الإنتاجية. هل يستحق تطوير برنامج نووي كل هذه التضحيات التي أضرت بالاقتصاد الإيراني وأسهمت في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وخفضت من نسب النمو ومستويات المعيشة؟ سؤال ربما يستطيع الإنسان العادي الإجابة عليه قبل متخذ القرارات الرسمية والمسؤول عن التنمية في بلد بحجم إيران وأهميتها لاستقرار المنطقة وازدهارها الاقتصادي.