11 سبتمبر 2025
تسجيليقولون عندما تفقد حاسةً من حواسك تتحفز حاسّة أخرى وتقوى.. اللمس مثلاً يقوى عند فاقد البصر لكن عندما تفقد حاسّة «الشام» تخفّ بقية حواسك. إنها الحاسّة العجيبة التي لا تقوى من دونها الأشياء. فلا تعد ترى الياسمين ياسمينًا ولا تشمّه في مكان آخر ولا تتذوق العذوبة ولا تسمع العطر. نعم العطر يُسمع في الشام قبل الشمّ لأنه ثلاثي الأبعاد يحجز الأماكن وأصداءها فتلمس الموسيقى بيديك ويأخذك الغرور فتصير متدمشقاً أنِفاً، جميل الروح خفيف البدن. هل عرفتم الآن لماذا صار السوريّ مشكلة المشاكل؟! لأن: الذوق والشمّ علامه/ الهمس واللمس/ العين والحدس/ لا خمسة، لا ستةٌ/ فينا حواسٌ سبعةٌ/ تدعى الكرامة. فلماذا يا أمة العرب تضيّقون على السوري أينما ذهب؟! ولماذا صار السوريّ لديكم كحامل فيروس أيبولا؟! ولماذا دفعتم بالسوري إلى كل البحار؟! ولماذا تخليتم عنه في أحلك الظروف؟! ألم يتتلمذ أبناؤكم على يديه! ألم يفتح لكم الشام مضافة أيام عزّه، ألم تدرسوا في جامعاته كأبنائه تماما، ألم؟! ألم؟! كأن ما أحد منكم شرب من مائنا في عين الفيجة، وأكل من خوخنا ومشمشنا وتوتنا في الزبداني، كأن ما أحد منكم أكل الفستق الحلبي من شوارعنا، والذرى المشوي من قاسيوننا؟! كان حلماً واسعاً وسع المدى بأن نحقق لمّةً على غرار الأمم الناهضة التي اتحدت حتى من تحت بحر المانش.. صغرتموه، يا عرب، إلى تأشيرة دخول ورسم إقامة.. كم هي غنية ومترفعة وكريمة نفوسنا.. لم نكن ننظر في غير مرايانا لنعرف ذواتنا، لكننا حين نظرنا في مرايا غيرنا عرفنا كم نحن كبارا.. لم يسعنا الكون كله حين توزعنا عليه، عرفنا كم نحن جميلين كـ «يوسف» وأعزاء ومدمشقين كبلادنا. فما أجمل الموت بعد أن: كنّا نربّي العزّ جيلاً بعد جيل/ نستنبت المعنى بأقماح المحبة والتأدب والتعلم والترفع والترفق والتهام المستحيل/ لا عارنا لا كفُّنا/ عار الصقور بما شَوَتْ كفُ الجهيل/ عارٌ عليكم أن يموت المهر والخيل الأصيل/ عارٌ لمن لا يستميت لمهرة صهلت وغاصبها الدخيل/ عارٌ على الجيران إذلال النبيل/ عارٌ على الماءٍ الذي باع السفينة للدليل/ عارٌ على النهرين ما صاح النخيل/ لا.. لا الفرات أجارنا لا النيل نيل/ تبا لمن ما هزّهُ.. دمع النخيل/ تباً لمن لا يفقه/ نزق النخيل.