12 سبتمبر 2025

تسجيل

سر تحليق الطيور "2"

14 ديسمبر 2012

قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال في كيفية قيام الطيور بتغيير اتجاه طيرانها من دون وجود ذيل فيها؟ والسر هو في إعادة تشكيل وتغيير أجنحتها أثناء التحليق. إن الطيور لديها القدرة على الرفرفة بأجنحتها وإدارتها على شاكلة تمكنها من التكيف مع كل أوضاع الطيران المطلوبة. كما يجب ألا نغفل مسألة مهمة وهي أن جناح الطير يعمل كمحرك وكسطح رافع في الوقت نفسه وهو أمر معقد جدا. أما السؤال التالي: فهو كيف تحلق أنواع من الطيور لمدة طيران طويلة وهي تهاجر من قارة إلى أخرى؟ أما الجواب فهو أن الطيور قبل أن يحل موسم هجرتها تقوم باختزان نصف وزنها من الطعام على هيئة دسم (شحوم) أي بمعنى شعبي تقوم بتسمين نفسها قبل الرحلة الطويلة، وهذا ما يعطيها الطاقة اللازمة لقطع مسافات شاسعة من دون توقف أحيانا. وكذلك الحشرات الطائرة حيرت العلماء. ومرة أخرى نستند إلى احد النصوص القرآنية في قوله تعالى: "إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها...» إلى آخر الآية 26 من سورة البقرة، في هذه الآية إعجاز رباني في ضرب مثل غاية في الكمال حول هذه البعوضة وهي حشرة طائرة.. من منا لا يعرفها؟ فهي غاية في الصغر والضآلة لكنها تمتلك قدرة على التحليق حيرت العلماء لمدة عشر سنوات من الزمن، هي حصيلة دراسة ميكانيكية تحليق الحشرات بواسطة أجنحتها الشفافة الهشة، وقيامها بمناورات لطالما أعجزت الإنسان عن اصطيادها، فكيف في الطائرات. عندما صدر كتاب لعالم الحشرات «مانيان» في عام 1934 أشار فيه إلى حسابات قام بها مساعده المهندس سينت لاغ أن الحشرات الطائرة بناء على قوانين فيزياء الطيران لا تستطيع الطيران! كيف إذا وهي تطير؟ لم يتمكن العلماء من فهم ذلك، وظلت صعوبات كبيرة تواجههم في تفسير الديناميكيات الهوائية للكيفية التي تولد بها الحشرات القوى اللازمة لبقائها محلقة في الجو، إلى أن جاء العلماء في هذا الزمن بنتائج مدهشة جعلتهم يصعقون من مدى براعة وتعقيد أداء الحشرات الطائرة بعملية الطيران، فقد اكتشفوا أنها تقوم بتأثيرات ديناميكية عدة كي تبقى محلقة، إضافة إلى امتلاكها أكثر بنيات الأجنحة تنوعا وحركية بين جميع الكائنات الحية الطائرة، فالحشرات الطائرة تخفق flapوتدوِّر rotate أجنحتها ما بين 20 إلى 600 مرة في الثانية الواحدة، ويخلق نموذج التدفق الهوائي هذا قوى ديناميكية هوائية متغيرة باستمرار، كما ان للزوجة الهواء أهمية كبيرة في مثل هذه الأحجام الصغيرة، كونها تساعد على عدم انفصال طبقة الهواء من على سطح أجنحتها وبالتالي ثباتها أكثر. الأجنحة الآلية الخفاقة والمتغيرة احد الأمور التي كشفت سر ميكانيكية تحليق أجنحة الحشرات الطائرة والطيور، أن جميعها لا تنطبق عليها مبدأ الحالة المستقرة او Steady state principles، كالتي تنطبق على وظائف أجنحة الطائرات المستعملة منذ تحليق الأخوان رايت وحتى آخر تصميم وصلنا إليه اليوم، بمعنى أن تدفق الهواء حول أجنحة الطائرات والمركبات الجوية من صنع البشر، والقوى المتولدة الناتجة من هذا التدفق، تبقى ثابتة مع الزمن، وحتى مع الأجنحة ذات الهندسة المتغيرة، كالتي في الميغ — 23 وF — 14 والتوريندو لايتحقق ذلك. وعلى الرغم من كل ما تم ذكره من تقدم علمي في مجال تصاميم الجناح الرافع بالطائرات على الصعيدين العسكري والمدني في العقود الأخيرة، لا يزال صانعو الطائرات يشعرون بعجزهم عن التصدي للمشكلات التي تجابههم في تلك الأجنحة «الصماء»، عند حدوث اضطرابات في تيارات الهواء وحركتها اللولبية أو موجات الصدم في السرعات العالية، بينما نجد مهارة رائعة لدى الطيور في التصدي لمثل تلك الحالات. أما الطائرات فإنها تهدر كمية كبيرة من الوقود والطاقة نتيجة عجز سطوحها الحاملة عن التكيف مع تلك الظروف الايروديناميكية المحيطة بها.