26 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب في أمس الحاجة إلى وحدة وهوية

14 نوفمبر 2022

أبدأ مقالي بأداء واجب التهاني لشعب قطر العزيزة بمناسبة مكسبها الوطني الكبير وغير المسبوق في دولة عربية مسلمة أي شرف تنظيم أشهر تظاهرة رياضية وحضارية عالمية (بطولة كأس العالم لكرة القدم) وهو إنجاز حاولت لوبيات مشبوهة خدشه بل ومنع حدوثه بحزمة سخيفة من الأراجيف فانتصرت قطر بالحق بينما فشلت اللوبيات بالباطل (وهو زهوق) وها هو الشعب القطري الكريم والمقيمون في الدولة ينعمون بالأمن والتقدم داعين الله لقطر بالمزيد من الخير والرفاه، خاصة وهي دولة رائدة تقع جغرافيا في قلب عالم عربي غير مستقر تهدده شتى التصدعات حيث تمتد الأزمات العربية من لبنان الى فلسطين واليمن وليبيا وسوريا والعراق كان الله في عون شعوبها لمقاومة مؤامرات التفريق والتشتيت وإشعال نيران الفتنة! ومنذ انهيار الخلافة الإسلامية واستفحال الاستخراب البريطاني والفرنسي العنصري سنة 1916 بمعاهدة سايكس بيكو مما هدد البيت العربي بالانفصام وتدريجيا تخرج مصائر العرب من أيدي العرب لتتحول إلى أيدي أعدائهم ويتسرب داء الشقاق بين السني والشيعي وهم مسلمون، ويتقاسم العمالقة الكبار أشلاء الدول العربية مثلما تقاسم (سايكس وبيكو) منذ قرن وست سنوات تركة نفس الرجل المحتضر كما سموه هم. يذكرنا وضع المسلمين اليوم بما جاء على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع حين أشار إلى القصعة والمتداعين إليها فتصبح الأمة على كثرتها غثاء كغثاء السيل. إن من يتابع هذه الأيام أخبار العرب لا بد أن تصيبه لعنة اليأس من حكمة هذه الأمة يأس لم يبلغ بعد درجة القنوط فيدعو الله إن كان من المؤمنين بأن يهب لها من لدنه رشدا وهي ضائعة جريحة بين عراق ينزف وسوريا تدمي وليبيا تعاني انقساما مفروضا من خارجها ويمن ما يزال لم يمسك شعبه بمقاليد مصيره وفلسطين مقسمة الى ضفة وقطاع رغم وحدة المقاومة ووحدة المصير، وليس لها من نصير من العسف الصهيوني سوى شعوب أوروبية تخلصت من عقدة الذنب تجاه اليهود فتنازلت حكوماتها لإسرائيل عن أرض فلسطين كأن شعب فلسطين متاع لهم أو ورثة آبائهم وأجدادهم! وأصبحت دولة إسرائيل مع الزمن عبئا عليها بممارسات وحشية خارجة عن القانون والشرائع وتهدد أمن العالم والغرب بالخصوص بممارسات خارجة عن أي قانون أخرها اغتيال الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة التي هزت ضمائر الأوروبيين قبل غيرهم. وهنا وهناك من أرض العرب نرى أيادي خبيثة تؤجج نار الفتنة بكل أصنافها من فتنة طائفية بغيضة وفتنة دينية مدمرة وفتنة قبلية مخربة وفتنة حزبية مفرقة، وفي دول المغرب الإسلامي فتنة عرقية وأخرى حدودية بين شعوب وحدتها عقود من المقاومة للدخلاء الصليبيين كما وحدتها كل الوشائج والروابط منذ الفتح الإسلامي، وجاء من ينفخ في رماد الفتن بحثا عن الجمرة الخبيثة في ظروف الانتخابات الديمقراطية وعهد ما بعد الاستقلال ومحطة بناء الدولة المدنية الحديثة التي تكاد تكمل مساراتها. وعلى هذه اللوحة الحزينة وفي هذا المشهد المشحون بالمخاطر تزدهر صناعة عربية خالصة ولا تعتقدوا أنها صناعة الطائرات والسيارات والحواسيب والأدوية والتجهيزات الإلكترونية، فهذه تركناها للأوروبيين والأمريكان واليابانيين والكوريين والصينيين، وللإنصاف نضيف لهم الأتراك بعد استعادة رجب طيب أردوغان للهوية التركية، وهذه الصناعات لم يحن لدى العرب أوانها بعد لأن ثقافة الإبداع تتطلب مهارات الحرية وحفظ كرامة بني آدم وتكريس قيم العلم عوض أدوات الظلم. ولتأكيد مقولة العلامة التونسي عبد الرحمن بن خلدون بأن العدل أساس الملك، وأن الظلم مؤذن بزوال العمران فإني أضرب مثلا واحدا ليقتنع العرب مثلما اقتنعت أنا منذ ثلث قرن بأن تقدم شعب من الشعوب لن يتحقق إلا متى تمتع ذلك الشعب بحقوقه المدنية وحرياته السياسية، ومتى حصن الدستور عرضه وأرضه وسلامته وحقوقه، ومكنه من المساهمة في اختيار أولي أمره في كنف دولة عادلة قوية يقوم عليها رجال أمناء مخلصون، ومتى اعتنق مبدأ الحداثة الأصيلة لا الحداثة الدخيلة أي بكل بساطة تحول من كائن مستعبد إلى إنسان حر. المثل الذي يحضرني هو المقارنة بين ماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتركيا من جهة وبين تونس العربية من جهة ثانية: هذه الدول الخمسة في السبعينيات كانت في نفس مستوى النمو حسب تقرير صندوق التنمية للأمم المتحدة من حيث معدل الدخل الفردي السنوي ومعدل الإنتاج الوطني الخام، ومن حيث الطاقات البشرية والجامعات والموارد الطبيعية ومؤشرات التنمية الاقتصادية وآفاق التنمية المستقبلية… نعم كنا نحن في تونس على نفس خط الانطلاق جنبا إلى جنب مع ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا وسنغافورة تماما كالرياضيين المتنافسين في سباق العدو الأولمبي على نفس خط انطلاق السباق بذات الحظوظ وأمامنا نفس المسافة لتحقيق الفوز… والنتيجة في ظرف جيل واحد! تعرفونها جميعا فنحن في سنة 2022 كالتالي: ماليزيا 11 مليونا من البشر نفس ديمغرافيا تونس، لكن مصنفة في المرتبة 19 في العالم من حيث النمو وبنسبة 3% فقراء ونسبة 3% بطالة ومعدل نمو سنوي 7%، وبالمقابل أصبح وضع تونس كالتالي: بلادي مصنفة في المرتبة الـ87 في العالم سنة 2010، وتقهقرت حسب إحصائيات أممية إلى المرتبة الـ93 سنة 2017 بنسبة المواطنين تحت خط الفقر حسب المعايير الدولية تقدر بـ23% سنة 2017 عوض 15% سنة 2009، ومعدل بطالة ارتفع من 16% سنة 2009 إلى 25% سنة 2017 الى 28% سنة 2022. ومعدل نمو لم يتجاوز الصفر. نفس المعدلات تقريبا نجدها بين تونس وكوريا الجنوبية إلى درجة أن الميزانية السنوية التونسية تعادل ثلث ميزانية شركة سامسونج وحدها! وأضرب هذه الأمثال للتحفيز لا للتيئيس ففي وطني كفاءات ومقدرات وعبقريات، لكنها تظل مكبلة بقوانين منتهية الصلاحية والخيارات الخطإ وفقدان مؤسسات شعبية فاعلة.