16 سبتمبر 2025

تسجيل

إشكاليات البطالة في الخليج

14 نوفمبر 2012

نبه العديد من الدراسات التي صدرت حديثا والتي كان آخرها الدراسة الصادرة عن مؤسسة الخليج للاستثمار بالتعاون مع الامانة العامة لدول مجلس التعاون إلى خطورة استفحال البطالة بين الخليجيين والتي بلغت 7% في المتوسط في دول المجلس العام الماضي، وبالأخص بين فئة الشباب الباحثين عن عمل، حيث تتجاوز نسبة البطالة بينهم النسبة المذكورة أعلاه. ومع أن هذه الدراسات وضعت دول المجلس في بوتقة واحدة، إلا أن أسباب وجود البطالة تتفاوت بين دولة وأخرى، علما بأن هذا المعدل ما زال ضمن المعدلات المقبولة عالميا، فالبطالة في منطقة "اليورو" في العام الجاري 2012 بلغت 10.3% وفي الولايات المتحدة 8% تقريبا، إلا أن عدم معالجتها في دول المجلس سيؤدي إلى ارتفاعها مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب يمكن تجنبها إذا ما وضعت الحلول المناسبة، وهي متاحة من وجهة نظرنا. والحقيقة أن دول المجلس تبذل جهودا لا يستهان بها لحل إشكاليات البطالة، إلا أن هذه الجهود تصطدم بعقبات وبتضارب مصالح مكونات عناصر الإنتاج، في حين تقدم معظم دول المجلس إعانات بطالة تكلف ميزانية الدولة مبالغ يمكن استغلالها لدعم النمو وتوفير المزيد من فرص العمل من خلال إقامة مشاريع جديدة. وضمن التصنيفات الخاصة بالبطالة، فإن نوعية البطالة في سوق العمل في كل من الإمارات وقطر، هي بطالة تتعلق بهيكلية سوق العمل وليس بسبب عدم وجود وظائف للمواطنين في البلدين، فالعمالة الأجنبية تشكل أكثر من %80 وبالتالي، فإن توفير وظائف للمواطنين تبقى مسألة سهلة، إلا أن ذلك بحاجة لإعادة النظر في هيكلية الشواغر وإيجاد المزيد من الحوافز لجعل المواطنين أكثر إقبالا وقبولا لبعض الوظائف التي ما زالت لا تشكل عامل جذب للمواطنين، وذلك لأسباب عديدة يمكن معالجتها، مما سيوفر العشرات من فرص العمل للمواطنين في هذين البلدين. وفي السعودية، فإن البطالة والتي تتركز عند النساء بنسب اكبر، فإنها ترتبط بإغلاق الكثير من القطاعات الرئيسية أمام عمل المرأة، مما يحد من توظيفها، وذلك رغم مستوى التعليم المرتفع والمؤهلات التي تتمتع بها المرأة السعودية والتي تشترك فيها مع المرأة الخليجية بشكل عام، كما أن الزيادة المفرطة للسكان تشكل أحد أهم أسباب ازدياد أعداد العاطلين في السعودية. أما في الكويت والبحرين، فإن البطالة ترتبط أساسا بغياب تنفيذ مشاريع تنموية كبيرة يمكن ممن خلالها توفر الكثير من فرص العمل، إذ إن آخر هذه المشاريع التي تم تنفيذها في هذين البلدين كان قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما، ما أسهم في تقليص فرص العمل، فبدون النمو الاقتصادي الحقيقي للقطاعات غير النفطية لا يمكن إيجاد حلول عملية للبطالة. وتشترك عمان نسبيا مع كل من الكويت والبحرين، وذلك إذا ما استثنينا مصنع صحار للألمنيوم والذي أقيم قبل سبع سنوات بمشاركة إماراتية، إلا أن ما يزيد الأمور تعقيدا هناك هو الكثافة السكانية والاندماج الضعيف نسبيا في الاقتصاد الخليجي والدولي بشكل عام، مما يتطلب اتخاذ خطوات عملية لتقوية الروابط مع الاقتصادات الخارجية، خصوصا أن عمان تملك مقومات قوية لمثل هذه الارتباطات بفضل موقعها المميز، ما سيؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل في السلطنة. وحتى الآن، فإن الحلول المتبعة في دول المجلس مجتمعة تتركز أساسا في إيجاد المزيد من فرص العمل في القطاع الحكومي المتشبع، حيث لا يملك مثل هذا الحل آفاق مستقبلية بسبب ارتباطه بعائدات النفط المرتفعة، علما بأنه يشكل ضغوط كبيرة على موازنات هذه البلدان، في الوقت الذي لا يبدي القطاع الخاص الخليجي التعاون المطلوب مع التوجهات الحكومية وهو الذي يعول عليه لاستيعاب القوى العاملة المواطنة، إلا أنه يعاني حتى الآن من التردد فيما يتعلق بهذه القضية، علما بأن مصالحه تتطلب إبداء تعاون أكبر للمساهمة في حل هذه المعضلة والتي يمكن أن تلحق أضرارا بمصالحه في المستقبل. وبالإضافة إلى الفرص المحلية، فإن تكامل أسواق العمل في دول المجلس وفتحها أمام كافة المواطنين الخليجيين سيسهم مساهمة فعالة في التخفيف من حدة البطالة، فالعمل في بعض القطاعات غير المحبذة من قبل مواطني دولة معينة، كما أشرنا ربما يكون مقبولا من قبل مواطني دولة أخرى إذا ما توافرت لهم الظروف المناسبة في البلد المعني، وذلك إضافة إلى تسهيل تنقل الكفاءات المواطنة، مما سيسهم في تكامل أسواق العمل الخليجية. إذن هناك تشعبات وتعقيدات عديدة تحيط بهذه القضية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المهمة لمستقبل دول المجلس، علما بأن حلها أمر متاح في كافة دول المجلس، وذلك إذا ما تمت معالجتها بصورة علمية وسخرت الموارد المالية والخبرات اللازمة لتجاوزها أو التخفيف من حدتها.