13 سبتمبر 2025
تسجيلكنت حائرا في محاولة فهم الحالة البحرينية بعد أحداث الرابع عشر من فبراير الماضي والتي نظر إليها البعض بحسبانها جزءا من مفردات الربيع العربي بينما نظر إليها البعض الآخر ضمن سياق الصراع الطائفي الداخلي والتدخل الإقليمي ولم أكن – بصراحة – قادرا على تحديد رؤية خاصة لي تجاه هذه الأحداث غير أنني التقيت بالقاهرة قبل أيام مع الدكتور حسن موسى الشفيعي رئيس مرصد حقوق الإنسان في البحرين، زودني بمعطيات مكنتني من تكوين قسمات وملامح يمكن اعتبارها موضوعية نزيهة وشفافة حول المشهد البحريني وما زالت تداعياته مستمرة. وقد سألته في البداية عن تقييمه لأحداث الرابع عشر من فبراير في ضوء قراءته لمجرياتها حتى الآن فسارع إلى القول الأمر بات يستوجب من كل اللاعبين السياسيين بالمملكة اتخاذ خطوات جريئة باتجاه تقييم مواقفهم وخطابهم السياسي وهو يعني بهم كل الأطراف وفي مقدمتهم السلطة وقوى المعارضة والقوى التي تمثل الأغلبية السنية والتي تتمثل في تجمع الوحدة الوطنية ووفق تقديره الشخصي فإن كل هؤلاء أخطأوا على نحو أو آخر. فالسلطة أخطأت عندما تعاملت مع المسيرات والتظاهرات بدرجة عالية من القسوة وهو ما تسبب في سقوط ضحايا وبهذا الخطأ فإن السلطة خدمت أغراض القوى المتشددة في المعارضة . وبدورها أخطأت المعارضة المتمثلة أساسا في جمعية الوفاق الوطني من خلال رفضها لمشروع ولي العهد بالحوار الوطني مع بداية الأحداث بعد أن عرض عليهم مجموعة مبادئ تتجاوب مع أغلبية المطالب الشعبية ومطالب قوى المعارضة غير أنها للأسف تلكأت ولم تقبل الدخول في الحوار المباشر مع ولي العهد. كما أخطأت المعارضة عندما فقدت قيادة الشارع وانساقت معه فعوضا عن أن تقوم بقيادته أصبح هو يقودها إلى درجة أنها لم تقف ضد المطالب التي تبنتها بعض التيارات المتشددة المحسوبة عليها من قبيل إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام جمهوري. ثم أخطأت المعارضة من جديد عندما لم تندد بالعنف وأحداث الشغب والمواجهات التي كانت تجري في بعض مناطقها تحديدا المناطق الشيعية ضد قوى الأمن كما ارتكبت المعارضة خطأ استراتيجيا عندما انساقت مع تظاهرات الأجنحة المنتشرة في المعارضة حيث قادت تظاهرات شيعية نحو القصر الملكي ومنطقة الحكم المعروفة بقصر"الصافرية" وأظن أن هذا المشهد بالذات بعث برسائل إلى القوى السنية بأن ثمة تهديدا حقيقيا وجديا ضد النظام السياسي في البحرين والاستقرار والعائلة المالكة مما دفعها إلى القيام بانتفاضة شعبية ضخمة كبرى لكي تجهض هذا التهديد وتمثلت هذه الانتفاضة في ظهور قوى سياسية جديدة في المشهد البحريني تتمثل في تجمع الوحدة الوطنية. وأخطأت المعارضة من جديد عندما انسحبت من العملية السياسية برمتها وأخرجت ممثلها من البرلمان ومن هنا انقطعت كل وسائل التواصل بينها وبين السلطة وهى بذلك تبدو وكأنها تريد أن تقول للسلطة نحن مع تغيير النظام وليس إصلاحه وقد قادت هذه المعطيات كما يقول الدكتور الشفيعي إلى انقسام الشارع البحريني إلى سني وشيعي وهذا خطأ آخر ساهمت فيه كل الأطراف السياسية مما أدى إلى تمزق النسيج الوطني وأدخل البلاد في نفق الطائفية وهو ما تجلى في خطاب كل من المعارضة الشيعية والقوى السنية التي ظهرت في الساحة وحدث هذا عندما لم تبذل المعارضة أي جهد من أجل خلق توافق وطني مع القوى السنية على المطالب السياسية وكانت تعتقد هذه القوى بأنها قادرة على ممارسة الضغط على الشارع لإجبار النظام على تقديم تنازلات بما يؤهلها لفرض مطالبها على السنة وفي الوقت نفسه ساهم التحريض الإعلامي الخارجي وبالتحديد من القنوات الفضائية الشيعية. ولكن لماذا تبدو بعض ملامح المشهد وكأن ثمة انسدادا في الأفق في العلاقة بين السلطة والمعارضة؟ متحدثي يرى أن هناك عدة أسباب لعدم توافق قوى المعارضة على خلق إجماع وطني على مطالبها السياسية مع القوى الأخرى وهو ما أدى إلى تداعيات العنف والتخريب والشغب فضلا عن تمزق الجسم الوطني البحريني ودخول الطائفية المذهبية في المشهد السياسي في المقابل فإن القوى السنية لم تسع للتقارب مع الشيعة وهو ما أظهره في الوحدة الوطنية المتمثلة في صورة اللامهتم بالتداعيات الناتجة عن أحداث الرابع عشر من فبراير تتصل بانتهاكات حقوق الإنسان مثل وفاة عدد من المحتجزين الشيعة في المعتقلات والذين نشرت صور واضحة تؤكد تعرضهم لسوء معاملة وتعذيب شديد القسوة فضلا عن عدم الدفاع عن الأخطاء التي وقعت كفصل مئات من الشباب الموظفين والعمال بالقطاعين العام والخاص بتهم مشاركتهم في التظاهرات وإلغاء بعثات التعليم لعدد آخر من الشباب وهذه الاخطاء والتي تعد وفقا لدستور البحرين والقانون الدولي الإنساني انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان أشعرت الضحايا بأن تجمع الوحدة الوطنية غير معني بها مما كرس الانقسام الوطني في المشهد السياسي البحريني. وفى تقديره أنه كان يتعين على التجمع بصفته ممثلا للسنة أن يتبنى موقفا محددا ضد تلك الانتهاكات التي وقعت ويدافع عن الضحايا الذين سقطوا وهي أخطاء باتت معروفة وواضحة خاصة أن الملك حمد بن عيسى عاهل البحرين أعلن عنها في عدة خطابات موجهة للشعب كان آخرها في أغسطس الماضي عندما ذكر بأن هناك أخطاء ارتكبت، ووجه الدولة والحكومة بالقيام بالخطوات القانونية واتخاذ الإجراءات الضرورية بتحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ وتعويض الضحايا بما يلزم وفق القانون، كما اعترف الملك بهذه الأخطاء عندما قرر تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق في شأن أحداث البحرين برئاسة الخبير القانوني الدولي الدكتور محمد شريف بسيوني ومنحها صلاحيات واسعة وحدد لها مجالات عديدة لكي تقوم بمهامها وفي الوقت نفسه فإن الملك أمر بتشكيل صندوق وطني بتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الذين سقطوا منذ 14 فبراير وحسب قناعتي فإن النظام عبر هذه الخطوات يبدو وكأنه أجرى عملية تقييم للأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض الأجهزة الرسمية وتحملت الدولة المسؤولية وهي رسالة في الآن ذاته للمعارضة وغيرها بأن تقوم بدورها بتقييم خطواتها ومراجعة الأخطاء التي ارتكبتها في إدارتها للأزمة سواء أكانت قوى المعارضة الشيعية أو السنية. ويلفت الدكتور الشفيعي في ختام قراءته إلى أن ثمة إمكانية متوافرة لتجاوز الأزمة البحرينية لكن من الضروري أن يتم تنفيذ عدد من الخطوات الضرورية في صدارتها العمل على تعزيز الثقة المفقودة بين قوى المعارضة والسلطة وذلك بدوره يتطلب القيام بإجراءات وتوجيه رسائل واضحة من قوى المعارضة أولها ألا تسعى لإسقاط النظام وإنما إصلاحه والحفاظ على استقرار البحرين وثانيا الوقوف ضد كل من يسعى أو يحاول أو يخطط أو يحرض على النظام وثالثا أن ترفض كل التدخلات الخارجية السلبية والتحريضية ضد الاستقرار السياسي وعدم الاستقواء بالخارج سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي ورابعا أن تسعى بجدية لخلق توافق وطني على جميع المطالب السياسية لأنه من دون التوافق الوطني لا يمكن تحقيق تقدم جوهري في المشهد السياسي البحريني بحيث لا يسعى أي طرف إلى فرض مطالبه أو مواقفه على الآخر خامسا أن تسعى قوى المعارضة نحو تعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية واعتماد خطاب وطني بما يعزز من ترابط كل فئات الشعب البحريني وسادسا ألا تقطع قوى المعارضة تواصلها مع السلطة والقوى الأخرى وتعمل على الدخول في العملية السياسية من خلال عملها ضمن المؤسسات الدستورية القائمة لأن المقاطعة لا تخدم أي طرف. هذا على مستوى قوى المعارضة أما بالنسبة للحكومة فهي مطالبة أولا بأن تسعى إلى تعزيز الثقة فيها عبر معالجة الأخطاء التي ارتكبت والمتعلقة بحقوق الإنسان من قبل الأجهزة التنفيذية وذلك من شأنه أن يترك تأثيرا إيجابيا على عوائل الضحايا ويساهم في تطييب الخواطر. وثانيا: أن تعمل على استيعاب قوى المعارضة في الجسم الرسمي لأن النظام السياسي الواثق من نفسه لا يخشى من التقارب مع الطرف المختلف معه وهذه الخطوة بالذات ستعمق من فهم السلطة لقوى المعارضة وثالثا الحكومة مطالبة بالسعي إلى فتح حوار مع القوى المعارضة المتشددة التي تطالب بإسقاط النظام وأظن أن هذه الخطوة من الضرورة بمكان من أجل استقرار البحرين على المدى البعيد لأنه ليس من صالح البلاد. [email protected]