لك سجدة في محراب الحب

عندما سجد الجبين على الأرض، وفي السماء حلقت الروح في عالم من الجمال والكائنات، شعرت بنعمة الإسلام، فأنحيت رأسي، وسجدت لك يا ربي في الحب، حينئذ شعرت بسجودي أنني أعلى من كل القيود، وشعرت أنها سجدة الحرية الحقة التي تعتق النفس فيها من أغلال الأرض وقيودها وأحقادها، فتحررت نفسي وروحي وعقلي وكل كياني وفي تلك اللحظة الروحانية، سجدت لك يا ربي في الحب. لحظة حب خالد غمرت قلبي كل معاني الحب، كل معاني الشوق، كل معاني العشق، كل معان يعجز عنها القلم وتعجز عنها الكلمات. تمنيت لو أن في عقلي بحرا محيطا من الألفاظ والمعاني، وكل قواميس لغة الضاد. بل كل اللغات لأعبر عن تلك اللحظة، لحظة حب. في تلك اللحظة الغالية وفي لحظة الحب، شعرت كم أنت مني قريب، وأحسست بك، تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم حالي، ملأت قلبي فرحا وسرورا، ملأته بأمل كبير وزرعت به حياة. لحظة حب غامرة بمعان غفلت عنها قلوب أخرى وقلوب، لم تعرف معنى الحب ولم تتذوق تلك اللحظة، لحظة حب. جاءتني تلك اللحظة تغسل كل الهم وتزيح الكابوس السارح في أعماق الفكر وسويداء القلب، وتنير ظلاما دامسا ما كنت أظن له فجرا، لحظة حب سرت في القلب وفي العقل، فتغير حال الدنيا أمامي، ورأيت ما لم أره من قبل، لحظة حب. لحظة حب مرت بي كنسيم ربيع، وتركت أرضا مخضرة وأشواق ضريع. لحظة حب جاءتني على غير موعد مني ولا ميعاد. تمنيت لو يتوقف الزمان عندها، تمنيت لو اختزل عمري كله في تلك اللحظة، تمنيت لو أموت وأنا في تلك الحال، تمنيت لو تعرف كل الدنيا وكل الناس معنى ذاك الحب، تمنيت لو أن الحب الخالد هذا كان بيدي لأرضعه لكل نفس تولد ولكل قلب ينبض، تمنيت لو جاء عشاق الدنيا ليكتشفوا كذب عشقهم وسرابه، ليروا بلغة القلب ومعاني العقل ذاك الحب. في تلك لحظة الحب، رأيت النور الذي يقذف في قلبي، فتهيج كل أحاسيسي ومشاعري وتضطرم الأشواق في كل ذرات جسدي ويصرخ لساني. يا الله أنت خالق الكون والحياة، أنت الذي منحت الإنسان الحياة ومعنى الحياة. في تلك لحظة الحب أضاء العقل لي طريق المعرفة والفهم، وفي لحظة حب اختزل التاريخ كله، وتكور الزمان والمكان أمامي، وفهمت أن الدنيا لا تساوي همها، وأن الآخرة خير لنا بل وأبقى. عندما يكبر حب الله في القلب، تصغر كل الأشياء ويسمو القلب وتسمو الروح والأحاسيس والمشاعر، وعندما يضيق صدري أسجد لك يا ربي سجدة في محراب الحب.