13 سبتمبر 2025
تسجيلسبق وذكرنا في موضع سابق أن قبائل يهود التي في يثرب أمضت عقوداً طويلة وهي تحاول تثبيت الفرقة بين الأوس والخزرج، فبذلوا الغالي والنفيس وما أمكنهم من دسائس ومكائد، بل وما أمكنهم من المال الذي يقدسونه، بل وحتى من أنفسهم في بعض الحروب، كل هذا لأجل أن تبقى يثرب بدون قيادة موحدة فتبقى لليهود مكانتهم كقوة اجتماعية لها وزنها. ولكن كان كل هذا الكيد يجري في نسق التدبير الإلهي رغماً عن أنوفهم، لأنه لما جعل اليهود يساهمون في إبقاء يثرب بلا قائد وبلا كيان سياسي أصبحت عندئذٍ أفضل مكان لاستقبال الرسول الأعظم حاكماً مطلقاً عليها بدون إراقة دماء، فحكمها بمجرد وصوله. ولو تفكر يهود في أمرهم لوجدوا أنهم لم يخرجوا قيد شعرة عن قوله تعالى: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ". ولكنهم وكما يعلمون نقاط ضعفهم جيداً - واسأل اليهود الأرثوذوكس المناهضين لقيام الكيان الصهيوني - فهم أيضاً يعلمون جهل بعض أدعياء العروبة والإسلام بما حبانا الله من علم في كتابه وسنة نبيه، فترى اليوم أولئك الخونة من العرب وهم يصطفون علناً مع الصهاينة ضد الفلسطينيين في غباء لا نظير له، فكيف لهؤلاء الحكام العرب أن يراهنوا على الحصان الخاسر؟، هذا إن أخذنا الأمور بمنظور مادي فما بالك لو أخذناها بمنظور ديني؟. ولن نصدع رأسك أيها القارئ الكريم بوضع الدلائل والبراهين والمؤشرات على انهيار هذا الكيان الهش من تلقاء نفسه، إذ يكفيك فقط أن ترى كيف فشلوا في مواجهة أزمة كورونا وكيف فشلوا قبلها فشلاً مخزياً أمام شعب محاصر في منقطة متكدسة لا تكاد تحظى بساعتين أو ثلاث في اليوم بالكهرباء، ولا كيف أن هذا الكيان يعيش أصلاً على المساعدات الخارجية حتى وإن زعموا قوة اقتصادهم. فتستغرب حقاً كيف لهؤلاء القادة أن يبقوا في شغل دائم لخدمة إسرائيل بتفانٍ وإخلاص في الخيانة لم نجد له مثيلاً في التاريخ، وفي المقابل لا يأخذون أي شيء على الإطلاق، بل حتى في وقت ملوك الطوائف في الأندلس لم يصل حكامهم لهذا الغباء السياسي "ولن أقول خيانة" إلا في نهايات الوجود الإسلامي، وكان ذلك بشكل أقل ضراوة وقبحاً مما نرى الآن. وأعجب من ذلك أن هؤلاء القادة أخذوا يمارسون استقطاباً غبياً لا يخدم بأي شكل من الأشكال سوى الحزب الحاكم في إسرائيل فقط، وأتساءل وأنا أرى هذا الاستقطاب الذي يمارسونه، ألا يقرأ هؤلاء التاريخ؟ ألا يعلمون أنهم وبكل غباء ينتهجون نهجاً ذاتي التدمير؟ ألا يعلمون أنهم باستقطابهم السطحي هذا يتركون الناس أمام قطب من اثنين، إما مع الصف المنبطح للصهاينة بكل خضوع وخنوع وتذلل كما رأينا في شروط التطبيع مع السودان، أو مع الصف الرابح الذي لا يوجد أدنى درجات الشك في انتصاره بشكل ساحق طال الزمان أم قصر؟. ومهما حاولت وأنا أكتب هذا الرأي أن أبتعد عن النص والمنظور الديني حتى لا اتهم بأنني أكتب كلاماً عاطفياً بدون تفكير، إلا أن ما يحدث لا يمكن أن يرى إلا بأن الخونة يسارعون بكل ما لديهم نحو حتفهم ونهايتهم هم، وقد يقول قائل: وما أدراك أنت بدهاليز وكواليس السياسة؟ فأقول لهم: نعم هذا صحيح، وللسياسة أهلها ومتخصصوها الذين أفنوا أعمارهم في دراستها وممارستها وفي أروقة المحافل الدولية، ومع ذلك لم نرهم يرتمون هكذا بهذا الشكل الانبطاحي المضحك. إنما يمارسون فن الممكن ببراعة فيخرجون عليها بما يشبه المعجزات والأساطير القديمة فترى دولة كدولة قطر وكيف دمرت أحلام دول الحصار وكسرت كبريائها بدون أن تخضع لهم ولا للكيان الغاصب ولا لغيرهم أليس كذلك؟. "فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍۢ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَ".