18 سبتمبر 2025

تسجيل

وداعاً يا شيراك صديق العرب ورافض تدمير العراق

14 أكتوبر 2019

  الراحل شيراك يظهر في صورة البطل المتمسك بالإرث الديغولي ومُخلص وطنه من التبعية فرنسا رفضت تدمير العراق لأنها دولة جربت الحروب وعرفت الاحتلال شيراك يعتبره العرب والفلسطينيون صديقاً لقضاياهم بعد أن واصل السياسة الديغولية الأكثر اعتدالاً شيعت فرنسا رئيسها الأسبق جاك شيراك بموكب رسمي وطني في ثكنة (الأنفاليد) مع يوم حداد وبتجمع شعبي في كنيسة (سان سلبيس)، الغريب في سيرة هذا الرجل أنه في فترة حكمه لم يحظ بهذا الإجماع الكامل على نقاء سمعته ودرجة التحامه بالناس العاديين فهو بعد وفاته أقرب للمجتمع وألصق بالتقاليد الفرنسية العريقة. ومن أبرز مواقفه التي تستعيدها القنوات التلفزيونية الفرنسية اليوم وتقدمها كدليل على استقلال القرار الفرنسي، ذلك الاستقلال الذي شكل لدى الجنرال شارل ديغول (بطل شيراك وراعيه الأول) حجر الزاوية للسياسة الخارجية لباريس وهي مواقف عديدة متعاقبة جعلت واشنطن لا تعول كثيراً على الحليف الفرنسي، بل تذكره دائما بأن أمريكا هي التي حررت فرنسا من الاحتلال الألماني النازي بنزول القوات المسلحة الأمريكية بقيادة الجنرال (إيزنهاور) على السواحل الفرنسية يوم 6 يونيه - حزيران عام 1944، اليوم يظهر الراحل جاك شيراك في صورة البطل المتمسك بالإرث الديغولي ومخلص وطنه من التبعية والتذيل ولم تنس موقفه في فبراير 2003 حين رفض قطعيا الانخراط في الحرب الأطلسية العربية على العراق بدعوى أن لدى صدام حسين أسلحة دمار شامل!. استعادت القنوات والصحف هذه الأيام الخطاب الذي ألقاه في مجلس الأمن (كولن باول) وزير خارجية بوش الابن وهو يستشهد بخرائط وصور من إنتاج الأقمار الصناعية تشير إلى مواقع تخزين وتصنيع الأسلحة الكيميائية الفتاكة وربما النووية السرية وتبين بعد الحرب أن صدام حسين لا يملك منها شيئاً، لكنه هو الذي ورط العراق في تلك الحرب عندما ارتكب أكبر خطيئة سياسية باحتلال الكويت الدولة المستقلة العضو في الأمم المتحدة والتلويح بقوة لا يملكها ولم يكن يخضع للضغوط العالمية التي تدعوه للخروج من الكويت حتى حلت الكارثة. ويعيد الإعلام الفرنسي بث الخطاب التاريخي الذي ألقاه باسم فرنسا السيد (دومينيك دوفيلبان) الوزير الأول ورد فيه بالحجة على الصقور الأمريكان بأن فرنسا نعم هي دولة عجوز في قارة عجوز ولأنها جربت الحروب وعرفت الاحتلال فإنها ترفض تدمير العراق، لأن هذا العمل سيولد المزيد من بؤر الإرهاب والعنف وسيخل بالتوازن القديم الهش الذي استقرت عليه دول الشرق الأوسط، وأن باريس ستعارض الحرب في مجلس الأمن برفع الفيتو. وتذكر القنوات بأن هذا الموقف المستقل المشرف قابله المجتمع الأمريكي بإعلان حصار تجاري على منتجات فرنسا، فوقعت حوادث تهشيم للسيارات الفرنسية وألقي بالجبن الفرنسي الشهير في المزابل وغيروا اسم (الفرنش فرايز) الى (فريدم فرايز) ومرت العلاقات بين باريس وواشنطن بمرحلة طويلة من البرود والتوتر، ثم أثبتت الأحداث أن جاك شيراك كان على حق بعد أن حل الحاكم الأمريكي المدني للعراق (بريمر) الجيش العراقي وسرح ضباطه وحل حزب البعث وسجن قياداته، ثم كان ما كان مما يعرفه الجيل العربي الراهن من تعاقب الكوارث العربية بانهيار كل أواصر الوحدة ووشائج الأخوة، فقامت هنا وهناك حروب أهلية وصراعات قبلية وسادت الفوضى التي أعلنتها (كندوليزا رايس) خلاقة فلم تخلق سوى مئات آلاف الضحايا ودمار العراق ثم سوريا ثم اليمن ثم ليبيا وبلوغ العنف والانقلابات إلى مصر وتزعزع استقرار تونس وانهارت مؤسسات الدولة إلى أن أفاق مجتمعها المدني فحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ثم إن شيراك يعتبره العرب والفلسطينيون صديقاً لقضاياهم بعد أن واصل السياسة الديغولية الأكثر اعتدالاً في الغرب نحو المظلمة الفلسطينية، ويذكر العرب كيف غضب شيراك من جنود الاحتلال الإسرائيلي وهدد بمغادرة القدس حين ضايقه حرسه الإسرائيلي ومنعه من مصافحة المواطنين الفلسطينيين في زيارته الشهيرة الصاخبة للأراضي المحتلة. ولا أنسى شخصياً وقوف شيراك معنا أنا ومحمد مزالي رئيس حكومة تونس حين كنا منفيين زمن الاستبداد، وكان هو عمدة باريس أواسط الثمانينيات فساعدنا ووقف معنا واستقبل مزالي وأكرمه في حركة شجاعة تحسب للرجل فالتحية والتقدير إلى روح جريئة. [email protected]