11 سبتمبر 2025
تسجيللا يفوت رئيس النظام الانقلابي المصري عبدالفتاح السيسي فرصة لشن هجوم في الاتجاه المعاكس وبما يخدم "الثورة المضادة"، وهو ما فعله في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي أطلقته وتبنته ورعته مملكة النرويج وأصر السيسي على استضافته من أجل "الحصول على شرعية دولية بنظامه"، وهي الشرعية المفقودة.وحفلت كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر على إطلاق التلميحات و"التلقيحات" ضد هذا الطرف أو ذاك إلى جانب المواقف المعلنة، ولعل بعض الاقتباسات من كلمة السيسي مفيدة للبرهنة على الدور الذي يلعبه نظامه الانقلابي في مصر والمنطقة فقد قال:"لا بديل عن هذه التسوية حتى يتسنى للشعب الفلسطيني التفرغ للبناء دون أن يخشى تدمير ما بناه بسواعده وبدعمكم. كما أنه لا يخفى عليكم أن استمرار حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة طالما وفر الذرائع، لمن يدعون الدفاع عنها، لزرع بذور الاستعداء والشقاق ولاختلاق المحاور ولمحاولة فرض الوصاية على شعب فلسطين الشقيق بدعوى دعمه لتحقيق تطلعاته. وبالتالي، فإن علينا أن نعمل لكي نحرم كل هؤلاء من فرصة استغلال معاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق أغراضهم".هذه هي أخطر فقرة في كلمته المسمومة وهي لا تحتاج إلى شرح وتفسير، ورغم ذلك فإن تفكيك هذا النص يشير إلى التالي:اعتبر أن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم ليس شيئا ذا بال أو قيمة بحد ذاته، فهذا الحرمان مقبول و "غير موجع" طالما بقي من دون آثار جانبية غير مرغوبة.في الجملة التالية أشار إلى عرض أو أثر جانبي لهذا الحرمان يتمثل بـ"توفير الذرائع لمن يدعون الدفاع عنه لزرع بذور الشقاق واختلاق المحاور" وهنا بالطبع يقصد قطر وتركيا، فلا يوجد في العالم دولة اتخذت موقفا حاسما وواضحا ورافضا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلا قطر وتركيا، وبالتالي فهما الدولتان المعنيتان في كلامه، لأنهما يغردان خارج السرب، وبالتالي فهما يزرعان "بذور الاستعداء والشقاق"، بادعاء الدفاع عن الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، وهما من يشكلان "محورا" خلافا للمحور المعادي للمقاومة الفلسطينية.لكنه ذهب إلى ما هو أخطر من ذلك عندما اعتبر أن قطر وتركيا تحاولان "فرض الوصاية على شعب فلسطين (وصفه بالشقيق) بدعوى دعمه لتحقيق تطلعاته" في الحرية والاستقلال والتخلص من الاحتلال.ثم يصل إلى الذروة في تحريض العالم على قطر وتركيا بقوله "علينا أن نعمل لكي نحرم كل هؤلاء من فرصة استغلال معاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق أغراضهم".عمد السيسي في كلامه إلى قلب الحقائق والتحريض على قطر وتركيا واستخدام "معكوس الأفعال" ليصفهما بما يقوم به نظامه، فالسيسي يتحالف مع محمود عباس وسلطته ويعادي المقاومة الفلسطينية ويعادي فكرة المقاومة أصلا، وهو الذي يخلق المحاور بما فيها من زرع للشقاق والاستعداء، وهو نفسه الذي يدعي الدفاع عن الشعب الفلسطيني لكن الأفعال والأقوال تثبت شيئا آخر، وهو الذي يحاول فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني من خلال حلفائه في رام الله واحتكار "الورقة الفلسطينية" لأن فلسطين هي "المريض الوحيد" لديه، وهذا ما تبدى حتى في مؤتمر إعادة إعمار غزة "النرويجي" الذي أصر على استضافته لاستخدام الورقة الفلسطينية من أجل مآرب لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني وقضيته" وتكريس نهج التسوية والاستسلام وفرض حليفه "أبو مازن" على المعادلة الدولية والإقليمية بوصفه "رجل فلسطين الأوحد"، وهذا ما عبر عنه صراحة بقوله إن "عملية إعادة الإعمار وتلبية احتياجات المواطنين في قطاع غزة تستند إلى محورين أساسيين وهما: التهدئة الدائمة، وممارسة السلطة الوطنية لصلاحياتها في القطاع".