13 سبتمبر 2025
تسجيلأصابني في مقتل الحكم الذي صدر يوم الأربعاء الماضي. كنت قد عدت إلى منزلي بعاصمة المحروسة منهكا من نهار عمل طويل ومضن. سارعت بفتح جهاز الحاسوب المحمول الضخم نسبيا وقرأت خبر الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات المصرية ببراءة عدد من كبار رموز نظام حسني مبارك في قضية موقعة الجمل الشهيرة التي وقعت في الثاني من فبراير 2011 أصابني بذهول وهو ما لاحظته على ابنتي الطالبة بالجامعة وسألتني: ما الذي أصابك وغير ملامح وقسمات وجهك؟طلعت مني صيحة فزع: براءة القتلة. من القاتل إذن؟ سمعت زوجتي الصيحة سارعت بتفسير الأمر لها. فوافقتني على ذهولي.هل يكفي الذهول؟ هل قضاؤنا فقد البوصلة؟ لا أظن لكنه حكم من قبل بالبراءة على ستة من مساعدي وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي في قضية قتل الثوار الشهيرة بينما حكم فيها على مبارك والعادلي بالسجن المؤبد ليس بسبب توافر الأدلة على إصدارهما أوامر بالقتل ولكن نظرا لعدم قيامهما بالحيلولة دون وقوع القتل كما برئ العشرات من ضباط الشرطة في قضايا قتل ثوار!؟ واللافت أن الحيثيات التي تستند إليها أحكام القضاء تقوم على ضعف الأدلة وتهافت شهادات الشهود وغياب اليقين لدى القضاة أنفسهم حول مسؤولية المتهمين في أعمال القتل ولكن اللافت أيضا أن ثمة قتلى وشهداء قضوا نحبهم في ثورة يناير منذ بدء انبثاقها وحتى وقت قصير قبل انتهاء الفترة الانتقالية التي استمرت زهاء العام والسبعة أشهر. وفي قضية موقعة الجمل تحديدا تبدو الوقائع شديدة الوضوح. فقد كانت أغلب القنوات الفضائية تبثها على الهواء مباشرة منذ ظهيرة الأربعاء الموافق الثاني من فبراير وحتى ما بعد طلوع شمس اليوم التالي. وشخصيا كنت أتابعها وفي ضوئها حددت موقفي النهائي من نظام مبارك وانحزت إلى خيار سقوطه بعد قدر من التعاطف تشكل وانتابني عقب استماعي لخطاب مبارك في الليلة السابقة للواقعة. من قتل الثوار في موقعة الجمل والذين تزيد أعدادهم عن المائة غير المئات من الجرحى؟في ضوء الحكم الأخير فإن رموز نظام مبارك لا صلة لهم بالواقعة. إذن من الذي مارس القتل سواء بالرصاص الحي أو باستخدام الجمال والخيول والحمير أيضا فضلا عن إلقاء زجاجات المولوتوف من البنايات المجاورة للميدان؟هل ينحاز المرء إلى خانة المطالبين بتطهير القضاء وهو الشعار الذي رفعه أهالي شهداء الثورة بعد صدور الحكم بتبرئة ستة من أكبر مساعدي الحبيب العادلي في قضية مبارك خلال شهر يونيو المنصرم والذين كانوا يتلقون التعليمات وينفذونها أم يطالب بتغيير قواعد اللعبة التي مازالت قائمة على ما أسسه نظام مبارك نفسه والتي استفاد هو ورجاله منها؟الناس خرجت إلى الشارع مساء الخميس ويوم الجمعة الفائتين مطالبة بضرورة المحاسبة والنيابة العامة أعلنت براءتها من القضية. فهي لم تكن شريكا في التحقيق في وقائعها وإنما ترك الأمر لقضاة تحقيق بوزارة العدل. ورغم ذلك دفع النائب العام الدكتور عبد المجيد محمود الثمن بعد إقصائه من منصبه وتعيينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان وهو ما قوبل بالارتياح من قبل أوساط واسعة في الشارع المصري. وإن كان قد رفض تنفيذ القرار متمسكا بمنصبه وفق ما يتيحه له القانون. لكن هل المعضلة في النيابة العامة وأجهزة التحقيق أم أنها تكمن في بعض مؤسسات الدولة العميقة التي مازالت تخفي الأدلة والمستندات الحقيقية التي من شأنها أن تظهر الحقائق الدامغة فيما يتعلق بالإجابة على السؤال اللغز: من قتل الثوار؟الرئيس محمد مرسي شكل منذ فترة لجنة قضائية جديدة للتحقيق وفي وقائع قتل الثوار تمهيدا لإعادة محاكمة مبارك ورموزه ولكنها حتى الآن لم تفرغ من أعمالها وطلبت فترة زمنية جديدة ريثما تعثر على المزيد من الأدلة والوقائع الجديدة وهو ما يستوجب تطبيقه على قضية واقعة الجمل حتى لا يهدر دم شهدائها الأبرار والذي كان يراق على مرأى من الأبصار. أبصار الجميع.بعد ثورة يناير ثمة قدر غير مسبوق من الحرية. الكل يتحدث وينتقد ويوجه سهامه إلى أعلى سلطة في الدولة ولكن المعضلة أن العدالة مازالت غائبة أو مغيبة بفعل فاعل فمن المسؤول عن هذا الغياب؟في تقديري أن السلطات التي تولت أمور البلاد عقب الثورة لم تتعامل مع أحوال البلاد بروح ثورية بل تعاملت مع الوقائع بروح تقليدية مستندة إلى القوانين السائدة وهي في معظمهما كانت مصنوعة ومخصصة لحماية النظام وأركانه ورموزه "كبارهم فقط" حيث يمكن التضحية بصغارهم وتلك مسؤولية الثوار أنفسهم الذين تركوا المشهد مكتفين بسقوط رأس النظام وبعض من معاونيه وابتهجوا بما شكلوه من ائتلافات سرعان ما اشتدت انقساماتها وخلافاتها فذهبت ريحها. كان من الضروري المسارعة بإصدار قوانين ثورية تنسجم مع روح الخامس والعشرين من يناير لتكشف عن القتلة فورا وتعاقب الفاسدين وتقصي العابثين بمقدرات الوطن على مدى ثلاثة عقود هي من أشد سنوات مصر عتمة وقهرا واستبدادا.كان من الضروري تشكيل المحاكم الثورية بديلا عن المحاكم التي أصابها الترهل بكل تجلياته بما يحول دون براءة القتلة والفاسدين بل وتقضي وفق محددات العدالة الثورية على حالة الشك التي باتت تسكن نفوس العباد تجاه رجال مؤسسة القضاء.إن الثورات حالة استثنائية في تاريخ المجتمعات وهي تندلع لتحدث تغييرا جذريا شاملا فيها وهو أمر لا يقتصر على تغيير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإنما القضائية والقانونية أيضا. حدث ذلك في الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الأمريكية وفي ثورة الثالث والعشرين من يوليو المصرية المجيدة التي قادها الزعيم الثوري الحقيقي جمال عبد الناصر والتي لم تخذل شعبها في إحداث التغيير الفوري الذي يشعر بثماره خلال فترة وجيزة فقد أنجز قانون الإصلاح الزراعي في الشهر الثالث بعد قيامها ووزع قائدها عبد الناصر عقود التمليك على الفلاحين فتفاعلت على الفور رسائلها كخطوة أولى على طريق العدل الاجتماعي ثم انطلقت المحاكمات وفق قانون ثوري أطلق عليه قانون الغدر لتطهير مؤسسات وهياكل الدولة من رموز حقب الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وجاءت برموز من الطبقة المتوسطة الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية وصعدت بهم إلى المناصب المهمة لتطبيق مشروعها في النهضة الحقيقية التي رسمت ملامح المحروسة من جديد وصاغت انطلاقتها. صحيح وقعت بعض التجاوزات لكنها طبيعية وفق محددات المرحلة الثورية وكانت أقل التجاوزات في تاريخ الثورات بل وصفت ثورة يوليو بالبيضاء.ما أود قوله هو أن ثورة الخامس والعشرين من يناير- رغم مضي عامين عليها - لم تحدث مقاربة حقيقية مع أشواق البشر خاصة فيما يتعلق بمطالب العدالة الاجتماعية والعيش. مازال الناس يئنون تحت وطأة المعاناة اليومية فضلا عن غياب العدل الذي من شأنه أن يعيد حقوق الشهداء وحقوق الوطن فمليارات الجنيهات عصية على الاسترداد وكثير من الرؤوس خارج السجون أو هي في طريقها للخروج بسبب فساد القوانين وتغييب وليس غياب الأدلة وأشياء كثيرة تشعرني أن فعل الثورة مازال بعيدا عن أحلام الناس. هل الرئيس مرسي مسؤول؟ كنت أجيب عن نفس السؤال في برنامج بالتلفزيون الحكومي في اليوم الأخير للمائة اليوم الأولى من بداية حكمه وقلت بالحرف بالطبع هو مسؤول فهو أعلى سلطة في البلاد فضلا عن كونه وعد الناس بتقديم حلول لأخطر خمس مشكلات تتعلق بالخبز والأمن والنظافة والمرور والوقود وللأسف ما تحقق منها ضئيل للغاية بل إن بعضها تفاقم وهو ما صار موضع شكوى جماهيرية ولكن للإنصاف قلت أيضا هي معضلات لا يكفيها مائة يوم بل هي في حاجة إلى عشرة أعوام على أقل تقدير لكن ما يهم هو الإشارات الأولى للحكم الجديد والتي لم تنبئ بعد عن قدرة على النفاذ إلى قلوب وأشواق البشر مكتفية ببعض المشاهد التي تقف عند حد البكاء على اللبن المسكوب غير أنها لا تحاول أن تعيد اللبن إلى الكوب أو تقوم بإنتاج لبنها الخاص. السطر الأخير: أحبو إليك أنت غاية عشقي أم سر وجودي ؟نهران بعينيك يصبان الشعر بفنجاني تأسرني الشمس الجالسة بكفيك يكفيني أيا رفيقة روحي أن أنثر حبك بأركاني يعالج وجعا يضفي البهجة بأزماني عودي عفية القلب متوهجة الوجدان عودي لحقول كتابتي أزهري ثمرا بأفناني