14 سبتمبر 2025

تسجيل

التصعيد ضد المجلس العسكري.. هل ينهي حالة الغموض في مصر؟

14 أكتوبر 2011

منذ الأيام الأولى للثورة المصرية ارتفع شعار "الشعب والجيش إيد واحدة"، وكان شعارا طبيعيا نابعا من ضمير الشعب الثائر الذي كان يعلم علم اليقين أن الجيش المصري هو جزء لا يتجزأ منه، ولذلك فإن وقوفه إلى جانبه في مواجهة النظام المستبد هو أمر لا يحتاج إلى دليل. وكم كانت فرحة المصريين عظيمة عندما أعلن الجيش بيانه الأول الذي أكد فيه أنه يقف بجانب الشعب وأنه لن يستخدم القوة ضده أبدا.. ثم جاءت فرحتهم الكبرى يوم حسم الجيش أمره ومارس ضغوطه على الرئيس المخلوع ليتنحى عن السلطة التي تسلمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أعلن منذ اللحظات الأولى لتسلمها أنه لا يطمع فيها وأنه سيقوم بتسليمها للمدنيين سريعا حتى يتم بناء دولة ديمقراطية حرة وقوية. ثم تتابعت الأيام والأحداث التي أكدت أن هناك شيئا ما خاطئا في علاقة الشعب بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وليس الجيش. هذا الشيء هو الذي أدى إلى وقوع صدامات بينه وبين الثوار الذين كانوا يرون أن المجلس لم يقم بتنفيذ مطالب الثورة كاملة وأن هناك تباطؤا يوحي بتواطئه مع فلول النظام السابق الذي وفقا لحقائق الأشياء هو جزء منها. ويبدو أن الجزء الأكبر من الشعب كان لا يريد أن يصدق أن المجلس العسكري لا يتخذ الخطوات الكافية التي تؤدي إلى تحقيق مطالب الثورة، خاصة أن ظروف المرحلة الانتقالية كانت تصب في صالح التغيير التدريجي. لكن مع مرور الأيام بدا أن الثوار على حق وأن سياسات المجلس العسكري لا تؤدي فقط إلى عدم تنفيذ مطالب الثورة بل تؤدي إلى إعادة إنتاج النظام القديم مرة أخرى وبصورة أسوأ مما كان عليها أيام حسني مبارك. وساد شعور متنام أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد فشل بشكل ذريع في إدارة الفترة الانتقالية وأنه لم يكن عادلا ولم يقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية. وأنه ساعد على عدم حسم كثير من الملفات الهامة مثل ملفي الأمن والاقتصاد، حيث يشير خبراء إلى أن المجلس العسكري يستطيع أن يقضي على حالة الانفلات الأمني التي تسود البلاد منذ اندلاع الثورة وحتى الآن في أيام معدودة، إلا أنه لا يفعل ذلك لأسباب يرى البعض أنها ترتبط بسعي المجلس لتحقيق توازنات بين القوى السياسية، خاصة التيار الإسلامي الذي يرى فيه المجلس خطرا ليس فقط على النظام الجديد القادم، ولكن أيضا على الدور المستقبلي للمؤسسة العسكرية وبالتالي على الامتيازات التي تحصل عليها. كذلك الأمر في الملف الاقتصادي، يرى محللون أن هناك كثيرا من الإجراءات التي كان يتعين على المجلس العسكري اتخاذها من أجل تنشيط الاقتصاد المصري.. لكنه لم يقدم على اتخاذها لأسباب غير مبررة. فضلا عن أن عدم حسم الملف الأمني حتى الآن يلقي بظلاله على الملف الاقتصادي. هناك أيضا ملف الانتخابات القادمة الذي يشهد تحركات مريبة سواء من جانب المجلس العسكري الذي أصدر إعلانا دستوريا بقانون انتخابات لا توافق عليه القوى السياسية وكذلك بجدول مواعيد لم تشهد دولة مثله من قبل حيث لأول مرة في التاريخ تتم انتخابات في مدة زمنية تصل لستة أشهر كاملة. كذلك يشهد هذا الملف تحركات من جانب فلول النظام السابق وخاصة رموز الحزب الوطني المنحل. حيث اتجهت هذه الرموز إلى إنشاء أحزاب جديدة لاستخدامها من أجل العودة إلى تصدر المشهد السياسي مرة أخرى ومن ثم إنتاج النظام السابق، والغريب أنها تجد دعما من بعض مؤسسات الدولة، فضلا عن تردد المجلس العسكري في تطبيق قانون الغدر على هذه الرموز من أجل منعهم من ممارسة العمل السياسي لفترة زمنية معينة بسبب إفسادهم الحياة السياسية ومساندتهم لنظام ديكتاتوري قمعي. ولا يجوز أن ننسى في هذا المقام أن المجلس العسكري قدم إشارات إيجابية لقوى التيار العلماني لطرح قضية وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات. وبعد فشل اللعبة بدأت أخرى تقوم على أساس ضرورة وضع قواعد حاكمة للدستور في واحدة من أغرب الأطروحات على مستوى التاريخ الإنساني. وقد ترتب على ذلك حدوث انقسامات كبيرة بين القوى السياسية أدت إلى ضعفها وعدم قدرتها على الضغط بقوة على المجلس العسكري من أجل تنفيذ باقي مطالب الثورة، وخاصة ما يتعلق بالبرنامج الزمني للفترة الانتقالية مما أدى إلى استمرار المجلس في الحكم دون وجود أفق محدد لتسليم السلطة للمدنيين. ثم جاءت خطيئة المجلس الكبرى بإعادة تفعيل وتوسيع حالة الطوارئ بحجة القضاء على الانفلات الأمني ورفضه التفسيرات القانونية التي قدمها المستشار طارق البشري رئيس لجنة التعديلات الدستورية التي أكد فيها أن حالة الطوارئ قد انتهت بقوة الإعلان الدستوري الذي أكد أنها تنتهي في خلال ستة أشهر وأنه لا يجوز تمديدها إلا بعد استفتاء الشعب عليها. من هنا جاء التصعيد الذي قامت به كافة القوى السياسية والذي توزع بين الاتجاه للعمل الثوري في الشارع وبين توجيه رسالة تهديد شديدة اللهجة للمجلس العسكري متضمنة عددا من الشروط التي تتعلق بكافة القضايا والتي يجب على المجلس الموافقة عليها أو أن تقوم هذه القوى بمقاطعة الانتخابات والالتحاق بالعمل الثوري.. أي الاحتكام للشارع الذي أسقط مبارك من قبل. المجلس العسكري وضع نفسه في مأزق كبير بسعيه الدائم للعمل منفردا بعيدا عن القوى السياسية خاصة فيما يتعلق بإصدار القوانين التي تنظم عملية انتقال السلطة.. وليس أمامه الكثير من الوقت لمعالجة الأخطاء التي ارتكبها، فقد أمهلته القوى السياسية حتى الأحد القادم.