13 سبتمبر 2025

تسجيل

من المغرب إلى ليبيا وخيمة الحزن

14 سبتمبر 2023

ما جرى في المغرب من زلزال ثم ليبيا من إعصار، جعل الحزن ينصب خيمته حولي. للمغرب في روحي تاريخ يتسع من المحبة ويملأ الفضاء، في الإسكندرية تاريخ للمغاربة في التجارة والوكالات التجارية جعل لهم شارعا معروفا بشارع المغاربة. وغير الشارع فكل احتفالاتنا بموالد أولياء الله في الإسكندرية تجعلك تعرف بقليل من القراءة أن أكثرهم وفدوا إلى الإسكندرية من المغرب والأندلس، والبقاء بالمدينة العظيمة التي كانت ملاذا للصوفية في كل عصور العرب والمسلمين سنة وشيعة في مصر. الإسكندرية المعاكسة للحكّام على طول التاريخ جعلت للصوفية أرضا فجعلوا لها فضاء من الإنسانية والحب. قد تجد وليّا في الإسكندرية من أصول مصرية هو سيدي القباري ووليا من الصحابة هو سيدي أبو الدرداء، أو كما يقول أهل الإسكندرية «ابو الدرادر»!. مولد سيدي أبو العباس المرسي أو سيدي ياقوت أو غيرهما علامات لا تنتهي من المحبة في الإسكندرية، وتمتد لتشمل مصر كلها، ففي طنطا مقام السيد البدوي وفي قنا مقام سيدي عبد الرحيم القناوي وهكذا يطول الحديث. المغرب مشت معي منذ طفولتي في الموالد والشوارع، ومع القراءة عرفت الكثير عنها، ثم كانت النقلة الكبرى بعد أن نشرت شيئا من أعمالي، وتلقيت دعوات من مثقفي المغرب لزيارة بلادهم والمشاركة في مؤتمرات ومهرجانات ثقافية. عرفت الكثير منهم يطول الحديث عن أسمائهم، وعرفت إسهاماتهم العظيمة في الأدب والنقد والفكر، وزرت بلادا لا أنساها مثل طنجة وأصيلا والرباط والدار البيضاء وأغادير وفاس ومكناس وبلدا صغير رائعا هو بني ملال، ولي فيها كلها ذكريات حفلت بها كتبي المختلفة. كانت أول زيارة في بداية التسعينات وعدت لأكتب مقالا بعنوان «كيف كسب الملوك وخسر الرؤساء» بعد ما شاهدت في المغرب كيف يحافظون على تراثهم الحضاري فكرا وبناء وحدائق وأشجارا وشواطئ وطرقا، وكيف كان رؤساء الجمهوريات طريقا للديكتاتورية تنسف ما قبلها من جمال وثقافة مادية وروحية. لا أريد أن أستمر لأجعلك تنظر إلى حال الجمهوريات الآن وآفة الحكم العسكري. جاء زلزال المغرب فنصب خيمة الحزن حولي ولم يكن الأول في تاريخها للأسف. سبقه أكثر من زلزال أشهرها زلزال أغادير عام 1960 الذي قضي على كل بنايات المدينة وراح ضحيته أكثر من ثلاثين ألفا غير الجرحي. من مفارقات الزمن أني حين زرت أغادير منذ حوالي خمسة عشر عاما وجدت مدينة جديدة رائعة بينها مبنى قديم من طابق واحد مغلق. سألت عنه فقالوا انه كان قاعة سينما لم يهدمها الزلزال فحافظوا عليه ذكرى رغم أنه مغلق!. تمشي في شوارع المغرب فتجد من يسألك: «مصري؟»، ترد بالإيجاب فتكون محل كرم بالغ منهم في المقاهي والمطاعم ويسألونك عن ابو جريشة وعادل إمام وفريد شوقي حتى محمد هنيدي وغيرهم. من الطرائف أني كنت يوما في ساحة الفنا في مراكش، وهي الساحة التي تحفل بفنون المدن والقرى والصحراء، فإذا بفرقة موسيقية شعبية يسألني مطربها: مصري؟ وكانت معي زوجتي فقالت نعم، فأشار للفرقة أن تغني لنا وبدأت تعزف ويغني هو « كتاب حياتي ياعين ماشفت زيّه كتاب..الفرح فيه ساعتين والباقي كله عذاب» ونحن نضحك ونغني معه ونصفق. مرت السنون ونصب الحزن خيمته حولي، ثم جاء إعصار درنة في ليبيا ليؤكده فما أكثر روابطنا أهل الإسكندرية بالشعب الليبي ويحتاج هذا حديثا آخر، فكم لنا من روابط بكتابها ومثقفيها. لم يسعفني الوقت لأزيح الحزن عني، وأتذكر من غنى لنا «كتاب حياتي ياعين ماشفت زيه كتاب!!»