19 سبتمبر 2025
تسجيلحين أعلنت المنامة ركوبها قطار السلام المشوه أطلقت الدوحة مسيرة سلام طال انتظاره في أفغانستان بينما رفعت أبوظبي شعار السلام غداة تطبيعها مع تل أبيب حققت الدبلوماسية القطرية سلاماً على الأرض في غزة منذ استكمال نشأة الكيانات السياسية على ساحل الخليج إبان الانسحاب البريطاني من المنطقة حافظت دول الخليج الست على موقع مستقر في الساحة الدولية، يمكن تلخيص طبيعة الوجود الخليجي في الساحتين الإقليمية والدولية من خلال ثلاثة معرفات، ساحة عمل متقدمة للمصالح الأمريكية، مزود للطاقة العالمية، ومستثمر سيادي دولي، ولكن مع تغير طبيعة العلاقات الخليجية العربية مع الربيع العربي وتغير خريطة النفوذ الأمريكي عالمياً بدأت دول الخليج في البحث في اتجاهات مختلفة عن وضع جديد وموقع مختلف يتناسب مع التطورات المتلاحقة، هذا الواقع الجديد مستمد من تحول دول الخليج من لاعب متأثر إلى لاعب مؤثر إقليمياً. انطلاقة الربيع العربي شكلت نقطة تحول إستراتيجي حيث أصبح التأثير الأكبر في الساحة العربية خليجياً سلباً وإيجاباً، سواء من خلال الخطاب الإعلامي أو الدعم السياسي، تحركت قوى الخليج في اتجاهات متباينة ووقفت الولايات المتحدة في حالة ارتباك وتعاملت ببطء مع الأحداث، وتدريجياً بدأ يتكشف العجز الأمريكي في المنطقة، وعليه بدأت الدول الخليجية منفردة مشاريع تأثير مستقلة عن دائرة الولايات المتحدة، تارة بالتنسيق معها وتارة دون ذلك، واليوم بعد عقد من انطلاق الربيع العربي يبدو أن دول الخليج تعاود ترسيم علاقتها مع الولايات المتحدة في إطار الانسحابية الأمريكية عبر اتجاهين رئيسيين، الأول هو ملء الفراغ الأمريكي عبر استبداله بأجندة هيمنة مختلفة والمساومة مع واشنطن للحصول على ضوء أخضر لنشاطات ليست بالضرورة متوافقة والمصالح الأمريكية، والاتجاه الآخر هو الاعتماد على القدرات الذاتية في لعب أدوار أكثر تعقيداً بتحقيق مكاسب تكتيكية أقل وتعتمد على صهر المصالح لا تبادلها، وكلا الاتجاهين يتخذ من السلام والاستقرار شعاراً. الاتجاه الأول والذي تقوده أبوظبي ومعها دول خليجية تابعة لها من الواضح أنه وبعد تراجع مشروع النظام العربي الجديد اتجه نحو تعزيز ميزته التنافسية لدى الولايات المتحدة أولاً وأمام خصومه ثانياً من خلال بوابة التطبيع مع إسرائيل، ولكن هذا التطبيع يأتي ببعدين، بعد مرتبط بإدارة ترمب والتعامل معها تكتيكياً وبعد مرتبط بتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية من خلال الحصول على أسلحة متطورة من واشنطن ودعم أمني من تل أبيب، ولا شك أن تبعية البحرين في هذا القرار تمثل وسيلة إقناع لواشنطن بأن أبوظبي قادرة على ضبط الإيقاع لدى شركائها، وعلى عكس ما جرت عليه العادة تبحث أبوظبي عن غض طرف أمريكي عن مشروعها في المنطقة لا حماية من خصومها من خلال هذا التحرك، وفي هذا الإطار تحاول ضمنياً تسويق هذا الإجراء باعتباره صناعة للسلام حتى يكون هذا المحور هو محور السلام في المنطقة، بغض النظر عن كمية النزاعات المسلحة التي نتجت عن سياسات المحور ومع تجاوز واقع أنه لا سلام تحقق على الأرض. الاتجاه الثاني والذي تقوده قطر وعمان يتحرك من منطلق القيمة المضافة في المجتمع الدولي بشكل عام، فعلى الرغم من التفاعل المستمر مع الاحتياجات التكتيكية لواشنطن تلعب هذه الدول أدواراً حقيقية في ملفات حاسمة وخاصة في إطار الوساطة، قطر في غزة وأفغانستان، وعمان مع إيران، شبكات العلاقات هذه تبدو مرفوضة أمريكياً وغربياً ولكنها تمثل حاجة لا اختياراً بالنسبة لهم، وصلت الرسالة متأخرة إلى واشنطن أنها بحاجة إلى لاعبين متوازنين مقبولين في المنطقة لتحقيق مصالحها والتي لا تتأتى بالضرورة من خلال الدفع بأجندة أمريكية بل من خلال الوصول لحلول إستراتيجية تتحقق من خلالها المصالح للأطراف جميعاً، وسواء فاز ترمب أو بايدن في انتخابات نوفمبر سيكون هذا الدور هو الذي تحتاجه واشنطن لإغلاق الملفات العالقة في المنطقة وليس النظرة التعاقدية التي يرسمها الاتجاه الأول وداعموه. المستقبل القريب في المنطقة يرسمه رهانان، الأول على رغبة واشنطن في وكلاء لتنفيذ أجندة منفصلة عن مصالح المنطقة، والثاني في حاجة واشنطن لشركاء قادرين على صناعة توافقات تصب في مصلحة واشنطن وبشكل مستدام، الرهان الأول لا يصلح إلا في المدى القصير ويتسبب في ربط شرطي بين أجندة الإدارة الأمريكية، ولا نقول الولايات المتحدة، واستفادة هذه الدول من الموقع الجديد معها. أما الرهان الثاني فهو على ارتفاع القيمة الجيوسياسية ليس في العلاقة مع واشنطن فحسب بل بالنسبة للمجتمع الدولي بشكل عام، صناعة السلام هي بلا شك الهدف الرئيس للنظام الدولي بشكل عام، وحفظه مسؤولية أساسية للدولة، وبينما رفعت أبوظبي شعار السلام غداة تطبيعها مع تل أبيب، حققت الدبلوماسية القطرية سلاماً على الأرض في غزة، وحين أعلنت المنامة ركوبها قطار السلام المشوه أطلقت الدوحة مسيرة سلام طال انتظاره في أفغانستان، الفرق يا سادة هو بين الوهم والواقع. [email protected]