18 سبتمبر 2025

تسجيل

أوروبا واليمين المتطرف

14 سبتمبر 2016

يبدو أن أوروبا مقبلة على صعود كبير لأحزاب اليمين المتطرف، خاصة بعد النجاحات التي حققتها تلك الأحزاب في عدد من الدول الأوروبية خلال السنوات الماضية، مثلما هو الحال في فرنسا والنمسا، وصولًا إلى الدولة الأكبر وهي ألمانيا، حيث استطاع حزب "البديل من أجل ألمانيا" أن يحقق خلال الأيام الماضية نجاحًا مهمًا في انتخابات مقاطعة ميكلنبورغ فوربومرن الغربية (شمال شرقي البلاد)، ملحقًا هزيمة بحزب المستشارة أنجيلا ميركل، فيما يعد مؤشرًا قويًا على اتجاهات الانتخابات التشريعية القادمة التي ستجري بعد عام من الآن.وقد احتل حزب "البديل" المرتبة الثانية بنسبة 22% من الأصوات، بعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي جاء في المرتبة الأولى بنسبة 30% من الأصوات. في حين جاء الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل، في المرتبة الثالثة بنسبة تصل إلى 20% من الأصوات.وتمثل تلك النتائج ارتفاعًا في عدد المقاطعات الألمانية التي يحصل فيها على مقاعد تمثيلية في البرلمانات المحلية، حيث استطاع بعد ثلاثة أعوام من تأسيسه، الحصول على تمثيل في 9 مقاطعات من أصل 16 مقاطعة ألمانية.النتائج التي حققها الحزب اليميني في ألمانيا، سيكون لها تأثير على أوروبا كلها، وهو ما أشار إليه تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، التي أكدت أن تنامي القوى اليمينية الشعبوية بألمانيا هز أركان الاستقرار في أوروبا، موضحة أن هذه الهزيمة تشير إلى اضطرابات سياسية مقبلة في القارة الأوروبية، خاصة أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية يأتي "حزب الديمقراطيين المسيحيين" الحاكم بألمانيا بعد حزب شعبوي في ترتيبه بالانتخابات.وأضافت الصحيفة أنه خارج ألمانيا هناك المزيد من المشاهد السياسية المماثلة التي يتوقع أن تهز أوروبا قريبًا، خاصة مع استمرار أزمة اللاجئين، والمخاوف من "الإرهاب"، وتزايد المشاعر المعادية للمؤسسات القائمة.ولعل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في فرنسا منتصف العام القادم ربما تكون أكثر المشاهد السياسية التي ستهز أوروبا، وذلك بسبب التقدم المستمر الذي يحققه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، في استطلاعات الرأي العام، خاصة بعد أن حقق الحزب نتائج جيدة في الانتخابات المحلية خلال السنتين الماضيتين، وحتى على مستوى البرلمان الأوروبي، الذي حصد فيه الحزب عددًا كبيرًا من المقاعد مع غيره من الأحزاب اليمينية في الدول الأوروبية الأخرى.ولكن كيف سيؤدي صعود اليمين الأوروبي إلى ضرب استقرار الاتحاد الأوروبي كما يشير التقرير؟ من المعروف أن الأحزاب الحاكمة في الدول الأوروبية الكبرى كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا تصر على ضرورة دعم الوحدة الأوروبية والمزيد من تحفيز التنافس وتسهيل المبادلات، وهو ما سيؤدي إلى استقرار الأسس التي قام عليها الاتحاد الأوروبي. بينما يرى اليمينيون المحافظون أن القوميات الأوروبية المختلفة، يجب أن تبقى في تباين وأن تعود المصالح إلى دولها الأم، إلى جانب قضايا أخرى أكثر عمقا مثل سياسة الهجرة التي يرى المحافظون الصاعدون أنها وجبت إعادة النظر فيها لصالح التخفيض في نسبة المهاجرين والحد من تأثير الثقافات المهاجرة على حساب الطابع الثقافي الأوروبي.حيث يرى اليمين الأوروبي أن المتغيرات التي أحدثتها العولمة في النماذج الثقافية والبنى السياسية، والتحولات الاقتصادية، أدت لابتعاد الاتحاد الأوروبي تدريجيًا عن الظروف التي أسهمت في تشكله وهي: الاستقرار السياسي والاجتماعي، والنمو الاقتصادي المستدام، والثراء الفردي.وفي ظل استمرار تلك المتغيرات الناتجة عن العولمة، فمن المتوقع تزايد صعود اليمين الأوروبي ليسيطر على مفاصل القرار في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني نهاية حقيقية لهذا الاتحاد. ولعل قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الذي اتخذه الشعب البريطاني في تصويت دعا إليه اليمين يعد نموذجًا يمكن أن يتكرر كثيرًا في المستقبل القريب.