10 سبتمبر 2025

تسجيل

الفاصل المهني والشخصي

14 أغسطس 2023

جميعنا يدرك بشكل عام، أن بعضاً من المهن الوظيفية مقترنة بزي عملي رسمي وبلون يختلف من جهة لأخرى، كمهنة الشرطي والعسكري والمحامي وعمال المصانع والممرضات والأطباء، هنا أود أن أسلط الضوء بشكل خاص على الزيّ الأبيض الخاص بالكادر الطبي سواء المعطف الأبيض للأطباء والكادر الفني وطاقم التمريض. في القرن التاسع عشر، كان الزيّ الرسمي للطبيب هو اللون الأسود، الذي كان يولد شعور الكآبة والاستياء والتعاسة والخطر ويرتبط إلى حد ما بالموت وبنفس الوقت كان زياً عملياً للتمويه لطمس الأوساخ وفوضوية البقع والعلاجات المتناثرة، وفي نهاية القرن العشرين ومع تقدم مهنة الطب والاكتشافات، كانت ولادة «المعطف الأبيض البريء» والذي يحمل سمات المهنة من بياض ونزاهة وثقة واحترافية ليمتد إلى الأسرّة وقبعات الممرضات، وتزداد ثقة المرضى والمجتمع بالقدرة والمهارة المهنية والفنية لتكون دلالة شامخة وشاملة لمهنة الطب. وبعيداً عن الأمراض والبكتيريا كان موظفو المختبرات والاكتشافات الطبية هم أول من ارتدى المعطف الأبيض واختيار هذا اللون جاء ليمثل الصفاء وطهر الأرجاء وراحة النظر ونقاوة السريرة فمنه كان يستشعر المرضى السلام والرحمة والاسترخاء والهدوء والإيجابية لتوفير حياة جديدة بعيداً عن حالة الإرهاق والتعب، وعمليا اختيار «اللون الأبيض» جاء للوقاية من نقل العدوى نظراً لسهولة معرفة حجم الاتساخ بطريقة سريعة ملفتة. لقد تعايشنا مع جائحة كورونا إلى أن منحتنا توعية وثقافة صحية كبيرة غيَّرت من مفهوم العدوى وآلية الوقاية والحرص من انتقال الأمراض خاصة في إطار العائلة والأصدقاء وفريق العمل، ولكن للأسف نلاحظ الكثير من موظفي الطاقم الطبي وهم يرتدون الزيّ الرسميّ، يتجولون في الجمعيات والأسواق والمطاعم والمترو والمساجد والبنوك وبالقرب من مواقف انتظار المدارس لتصل لحضور مجلس أولياء الأمور، ولكم أن تتخيلوا على سبيل المثال، ممرضة ترتدي «الزي الأبيض»، تجلس على طاولة في مطعم فاست فود لتأكل وجبة غداء سريعة؟ أو طبيب ينتقي أجود أنواع الخضراوات والفاكهة وهو بالزيّ الأبيض؟ يا ترى ما هي كمية الجراثيم التي تركت لاصقة على المقعد والطاولة وأرجاء المطعم والبقالة وحاويات الطعام؟ السلوكيات هذه تشكل قلقا وخطورة على المجتمع في مجال العدوى والأمراض وانتقال الجراثيم التي تعشعش كخيوط العنكبوت على زيّ العمل الرسميّ، وحقيقة المرضى لديهم كامل الثقة بالطاقم الطبي ويشعرون بالتحسن تدريجيا من خلال العناية والنظافة ودفء المكان والغذاء والأجواء الصحية وترتبط هذه المشاعر بـ «الزيّ الأبيض» النقيّ على الكادر الطبي الذي يكون عاملاً من عوامل الراحة النفسية والجسدية والثقة المستمرة التي تساهم في تجاوب وعلاج المرضى، لذا يجب أن نتجنب ارتداء الزي الرسمي في الأماكن العامة، فهي مثقلة بالبكتيريا وخاصة الأكمام والجيوب والياقة لتقليل مخاطر النقل والعدوى، وتشكر المستشفيات لتوفيرها معدات حديثة بجودة عالمية عالية لغسل وتطهير الملابس والزيّ الملوث للمرضى والكادر الطبي. وأيضاً عندما نتطرق للمجمعات التجارية، لا ننكر أن هناك تعليمات وإرشادات بتنبيهات الملابس والحيوانات والدراجات عند البوابة، فياحبذا لو تقوم شاكرة الجهات المسؤولة بإضافة ممنوع الدخول «بزيّ العمل الرسمي» كالممرضين والأطباء والفنيين من ضمن اللوائح والإرشادات، مع تفعيل قانون حظر التجوال بأي مكان كان خارج العمل بالزي الرسمي باعتباره مخالفا وعليه تتم العقوبة، وهذا البند يجب أن يذكر في عقد توقيع ومباشرة الموظف للعمل، فرؤية الكادر الطبيّ وهم بالزي الرسمي للمستشفى خارج نطاق المرافق الصحية كالجمعيات والمجمعات والدوائر الحكومية، أمر مزعج وسلوك غير حضاري في آن واحد، فيجب احترام نظام وقانون الزي الرسمي بعدالة حفاظاً على الفاصل المهني والشخصي، فالطب مهنة إنسانية فيها من الاحترام الكثير بين الكادر الطبي والمريض، لذا وجب إكمال الرسالة الإنسانية والمحافظة على مكانته وحقوقه ولا ننسى أن اللون الأبيض الهادئ هو رمز من رموز الهويّة الطبية.