14 سبتمبر 2025
تسجيلبدأت المشكلة السورية كنزاع داخلي بين النظام والمعارضة في عام 2011، وما سمي آنذاك بالربيع العربي، وقد كانت المطالبات الشعبية في سوريا محدودة، وتتلخص ببعض الإصلاحات في مجال الحريات السياسية والعامة، لكن النظام رفض هذه المطالب وسخر منها، وقال الرئيس بشار (إن سوريا غير تونس وغير مصر)، واستخدم العنف في مواجهة المسيرات السلمية، فحصلت الانشقاقات في الجيش والشرطة والأمن، بعد بروز القمع الشديد للمواطنين المطالبين بالإصلاحات، ولو استجاب النظام لبعض المطالب لوقفت هذه الانتفاضات، وتجنّبت هذا البلد العربي المهم، التدمير والقتل والتهجير، فبعد التدخل من قوى عديدة في هذا الصراع، أصبحت المسألة السورية قضية دولية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، خاصة أن روسيا تدخلت عسكرياً مع النظام، بينما الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي، كان تدخله محدوداً تركز على دعم المعارضة قبل سنوات، لكنها قامت في تلك الفترة بتسليح وتدريب عناصر من المعارضة السورية التي تصفها الولايات المتحدة بالمعتدلة.. وفي العامين الماضيين تراجع الدعم مؤخراً بصورة ملحوظة، ومنها كما تذكر بعض التقارير الصحفية، قيامها ببعض العمليات السرية العسكرية على الحدود السورية مع تركيا، هدفها الأساسي معرفة أي مجموعات المعارضة التي يمكن للولايات المتحدة إمدادها بالسلاح، وهي مؤيدة للمعارضة المعتدلة، بعدما بدأت الإخبار بالتوارد عن وجود عناصر قريبة من القاعدة، كجبهة النصرة وداعش، التواجد في الأماكن التي تسيطر عليها المعارضة في بعض المدن السورية. كما ساعدت الاستخبارات الأمريكية أيضًا بعض هذه العناصر المعارضة، لفتح طريق لعدمها وإسنادها للوقوف في وجه قوات النظام، كما قامت بتدريبهم على وسائل الاتصالات الحديثة، ومحاولة الابتعاد عن الجماعات القريبة من القاعدة وداعش والجماعات التكفيرية، ضمن المجموعات التي تتواجد في سوريا، بينهما روسيا استخدمت السلاح الجوي، إلى جانب الأسلحة الأخرى، من خلال دعم النظام عبر إرسال الأسلحة والخبراء العسكريين والفنيين، لتدريب قوات على استخدام السلاح الروسي وغيرها من المعدات العسكرية الروسية، ويعتقد البعض أن الولايات المتحدة، لم تكن جادة في دعم المعارضة المعتدلة بالصورة التي تجعلها تخل بميزان القوة مع النظام، والسبب أن إسرائيل لا تريد أن ينتهي الصراع لصالح القوى التي ربما يكون لها السيطرة على الحكم وبالذات القوى الإسلامية، إذا ما سقط النظام السوري، وهذا ما جعل الولايات المتحدة، أقل اهتماماً بالمشكلة السورية، وفي رفضها للنظام الحالي في السنوات الأخيرة، وهذا الموقف الأمريكي ربما شجّع روسيا على التدخل المباشر لدعم النظام، أو التغاضي عنه، لكن الموقف الأمريكي أيضاً لا يريد أن ينجح النظام بصورة تامة، وذلك حتى لا تسيطر إيران في حالة انهيار المعارضة المعتدلة، وربما يدور الحديث منذ فترة، أن الفرصة الأقرب لحكم سوريا، هو نظام علماني، يكون هو الأنسب الذي يتولى الحكم، بعد سقوط النظام حتى لا يحصل انقسام وتفتيت لسوريا وتتحول إلى كنتونات طائفية، لكن روسيا وإيران يتحركان بقوة لبقاء النظام، أو مشاركة المعارضة المعتدلة في الحكم بعد الاتفاق على سلام ثابت بضمان الأطراف الدولية، ويبدو أن الصراع في سوريا أصبح صراعاً دولياُ وليس إقليمياً ولا داخلياً، لكن من يحدد التوازن الداخلي، هي القوة العسكرية الدائرة الآن في مدينة حلب وبعض المدن السورية الأخرى، على الرغم أن الموقف الغربي، ليس موقفه مثل موقف روسيا في تدخله بصورة مباشرة في القتال إلى جانب النظام مع إيران وحزب الله، لكن يبدو أن الحرب البادرة بدأت الآن بصورة جلية، كصراع دولي على النفوذ على مناطق مهمة سياسيا وإستراتيجيا، وربما روسيا ترى أن النفوذ الأمريكي، أصبح أكثر سيطرة على المناطق التي كانت سابقا أكثر ارتباطاً بالاتحاد السوفييتي آنذاك في فترة الحرب الباردة, وضمن محور المعسكر الاشتراكي سابقاً، إذا ما سقطت سوريا، سيصبح النفوذ الأمريكي ماسكا بكل الخيوط الإستراتيجية في المنطقة، وربما أن روسيا تريد أن تستعيد مكانتها السياسية في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتفكك دوله، وسقوط المعسكر كله في أواخر الثمانينات، وهذا ما يجعل روسيا بحاجة لاستعادة بعض مكانتها وإثبات وجودها السياسي والعسكري، بعد العزلة السياسية التي استمرت ما يزيد على ربع قرن تقريباً، فالصراع الآن بدأ بالبروز في الأزمة السورية، وفي بعض دول الاتحاد السوفييتي سابقاً, وبدلا من تركيز النظام الدولي على تحقيق العدل وإشاعة التعايش السلمي وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان الأكثر اضطراباً ، فإنه بدأ يستعيد "ما يسمى اصطلاحا بالحرب الباردة [ Coldwar ] الذي شاع استخدامه في العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة ـ كما يقول د/ إسماعيل مقلد ـ وهذه الحرب الباردة عملت على تأسيس نظرية الصراع الدولي، وأنماط القوة في المجتمع الدولي، وتوازن الرعب النووي، وسياسة الاحتواء، وغيرها من حقائق القوة والصراع في الإستراتيجية الدولية المعاصرة. ولعل أخطر إفرازات الحرب الباردة ما سمّي بنظرية "الصراع الدولي"، ذلك أن الصراع في صميمه هو تنازع أرادت بحكم الاختلاف في التوجهات والسياسات. وهذه النظرية هي التي قسمت العالم إلى معسكرين متصارعين وعملت على استنزاف الاقتصاد للدول الصغيرة وجعلتها أسيرة هذا الصراع لاختيار مدى قوة التوازن الدولي، واختبار الأسلحة التي يتم تصنيعها. مع انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم كقوة عظمى بلا منافس أوجد وضعا شديد التعقيد، إذ على أثر انتهاء الاتحاد السوفييتي بتفكك دولة، وقيام الحروب الأهلية في البلقان وفي غيرها انكشفت عيوب النظام الدولي. فلو عدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن كل الأنظمة الدولية التي أقيمت كانت لأسباب حروب ومغامرات دولية.. وكذلك كل الصيغ التي أوردتها ديباجة هذه القوانين هي شروط "فرض" وليس اختيارا مقنعا، وهذا ما يفسر انهيار الكثير من الأنظمة، ففي عام 1815 فرضت الدول الأوروبية المنتصرة نظامها العالمي الذي تمثل بحفظ "الستاشكو" الأوروبي بعد مغامرات نابليون السياسية التي عصفت بأوروبا آنذاك". ولا شك أن الأزمة السورية، أصبحت بيد القوى الدولية، شاء السوريون، أم أبوا، حتى الدول الإقليمية التي لها أثر واهتمام بدأت بالتراجع عن صدارة المشكلة السورية، لذلك فإن الصراع الدولي أصبح أمرا واقعاً بوسائل كثيرة، على اعتبار أن المنطقة العربية مهمة إستراتيجياً، وأمنياً، بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا.. لذلك فإن الصراع على النفوذ والمناطق المؤثرة والمهمة، هو صراع إرادات بين هذه الدول، وهذا الصراع على حساب الدول الصغيرة وعلى شعوبها، ولذلك فإن على النظام والمعارضة السورية أن يتخذوا قراراً يخلّص هذا البلد من ظروف وحالات تتمزق فيها هذه الدولة إلى دويلات وعصبيات وكانتونات، تتصارع إثنياً ومذهبيا وسياسياً.