12 سبتمبر 2025

تسجيل

مزمار الحي لا يطرب

14 أغسطس 2013

كاتب، يأتي بالفرائد من الكلام والأفكار، ولكن يُطمس إبداعه، بالتجاهل أو أن يُعيّر في مجتمعه، أو بالكفر بما هو آتٍ به. فنان تشكيلي، ينقل عالماً في رأسه إلى لوحة بيضاء، لتتحول إلى كون آخر، من الألوان والمعاني، من الجمال والشفرات العبقرية. مطرب، يتضاءل فنه وتتشرنق طبقات صوته، لأن مزمار الحي لا يطرب! ضلال! إن الإبداع له أكف تتبناه، تطوره حتى يصل إلى مراحل متقدمة من الاحتراف والظهور، حتى يتوهج هذا النور من الوطن الصغير إلى العالم الكبير. لعل المبدع هو أكثر الأشخاص معاناة، في جميع مراحل العملية الإبداعية، منذ خلق الفكرة، إلى تبلورها واختمارها ومن ثم ولادتها. إن كل ما يمر به الفنان شاق على نفسه، عصيب على ذهنه، مؤثر على وقته وزمنه وحتى علاقاته. فكيف لو بعد كل ذلك، يُكفر بما جاء به، أكان على الصعيد الخاص (العائلي) أو الصعيد العام (الجهات المختصة)، إنه وهو يحمل أعماله بيده، قد لا يستطيع أن يواجه المجتمع الذي ما آمن بجهده، وكما قيل "الكثرة تغلب الشجاعة"، فيواري ما أنتجه من جمال وفن، إلى درجة الاكتئاب أحياناً. إننا وبكل أسف، لا نزال نعاني من عقدة الخواجة، العقدة البغيضة التي تسود الثقافة العربية، بحيث يبهر العين ما هو غريب عنها، ويطرب النفس ويقنعها كل ما هو أجنبي، وعلى النقيض تماماً إذ يُقلل من شأن العقل المحلي أو الوطني، بل ونصل إلى مرحلة من الاستخفاف والتحقير، كل ذلك والأيدي التي تقبض منافذ الإبداع تسد بيدها الثقب الذي منه يتنفس المبدع، وترفع باليد الأخرى الشعارات الكاذبة، والمبادئ الهلامية، أن الحق لابن الأرض، في حين أن الإيمان والانبهار والأحقية تمنح لغيره. هو الشعور بالغربة، أو التغريب القسري، في داخل حدود الوطن، إنني أتساءل أن كيف ستكون لنا الآثار الأدبية والفنية والعلمية، ونحن كما يُقال "أزهد الناس بالعالِم أهله وجيرانه"؟ كيف سنبني قاعدة وطنية تعنى بالفن والأدب، على سواعد وطنية، قطرية بالتحديد. لعلي بعد كل ما صادفت وواجهت من إحباط، الأمر الذي واجهه الكثير من المبدعين والفنانين بالتأكيد، آمنت بأن المجد يُصنع من الذات، وأن الأحجار التي تعيق خطواتنا ماهي إلا طبيعة الطريق، الطريق الذي يأخذنا إلى القمة، وأن العالم سيطرب لنا بعد أن عشنا حقيقة أن "مزمار الحي لا يطرب"