14 سبتمبر 2025

تسجيل

آفاق الجمال

14 أغسطس 2012

للجمال مدى لا نهاية له، أفق مفتوح من القلب إلى نهاية الكون، تُبصره العين والجوارح، فتكسر الروتين العادي، حيث الجميل البارع ذلك ينطبق على الحياة بشكل عام، بجميع ما تحويه، من بشر وطبيعة وحرف وموسيقى.. الخ. في عالم الشعر والأدب باتت عبارة (لم يُبقِ السابقون للاحقين شيئا) مسيطرة على أذهان الكتاب والشعراء، إذ هم يؤمنون أن السابقين من الأدباء استحوذوا على جمال الحرف، حتى انتهت بذلك الصور البلاغية والأوصاف الإبداعية، فلم يعد اللاحقون إلا أن يرددوا مكررا، ولكأن الجمال زواية ضيقة من زوايا الحياة. إن آفاق الجمال أكثر اتساعا وأعظم شساعة من أن تنتهي بقصائد وروايات، وأوصاف وصور بلاغية، إذ إنني أؤمن أن ثمة جمالا لم يتكشف بعد، هناك آفاق لم يأذن لها خالقها أن تتبيّن وتتجلى، آفاق لم يُبصرها أحد قط، ولا السابقون الذين لم تتحين لهم الفرص لأن يتطرقوا لوصفها، ربما لجهلهم بها، أو أنها لم تخطر على قلوبهم، ليأتي المبدعون بعطائهم بما لم يُقل وما لم يخطر على البال. كذلك يجب ألا نغفل عن التجديد، فقد تكون الصورة واردة ولكن قد تختلف طريقة صياغتها، وقد قال الجاحظ: "ان المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي، والعربي، والبدوي، والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير الألفاظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضربٌ من التصوير" فالتجديد سمة من سمات الحياة، وتحول طبيعي في الوظيفة أياً كانت ; عرف، فكرة، أو حتى صورة، أما التجديد الذي قد يحدث في الصور البلاغية، هي أن تكون واردة في الشعر أو النثر، ليأتي المجدد ويبلورها بما يناسب الزمن والمكان والجيل الذي يُعاصره، فتولد لنا فكرة مبتكرة مع لمحة تقليدية، كانت هي الأساس، فكان الاعتماد على الصياغة. إن كلمات الله لا تنفد، لا تنفد أبداً، بكل ما تحويه من جمال وخيال وتجديد وجديد، فلا زلت متيقنة أن ما ظهر لنا من روعة الحرف والموسيقى وكل الفنون، هي آفاق محددة، أمرها ربها أن تتكشف لنا فتُبهرنا لنُبدع فيها وصفاً وابتكاراً، وفي المقابل، هناك من الجمال المُخبأ ما لم تره أعيننا، ولم تسمعه اذاننا، ولم يخطر على قلوبنا أبداً، ذلك الذي لو تجلّى يوماً، فقد يكتب الشعراء الحرف بصورته المبتكرة، ووصفه الإبداعي المتفرد، فقط لو أننا نُدرك قوله تعالى " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".