13 سبتمبر 2025

تسجيل

تداعيات وخسائر محتملة لتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة

14 أغسطس 2011

أوقع تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من قبل "ستاندرز اند بورز" قطاع الأعمال والمستثمرين حول العالم في حيرة وتعقيدات جديدة تضاف إلى الحيرة والتعقيدات الخاصة بقضية الديون في الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة والتي تحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة كانت متوقعة في ضوء الأزمة بين الإدارة الأمريكية والكونغرس بشأن الديون والإنفاق والعجز، إلا أن رد فعل الأسواق كان عنيفا إلى درجة أدت إلى شبه انهيار للبورصات العالمية والتي لحقتها فيما بعد البورصات العربية والخليجية. ربما يشكل الانخفاض الكبير في البورصات العالمية وضعا مؤقتا سرعان ما تستوعبه هذه الأسواق وتتعامل معه بموضوعية، خصوصا وأن أداء الأسهم يعتمد بصورة كبيرة على أداء الشركات ونسبة العائد السنوية، كما أن هذا الأمر لا يخلو من عمليات مضاربة لتحقيق أرباح سريعة وكبيرة، إلا أن ما يهمنا هنا هو الآفاق المستقبلية لهذا التصنيف الجديد والتاريخي، ومدى انعكاساته على مستقبل الاستثمار في الولايات المتحدة وحجم الخسائر المترتبة عليه، وكذلك مستقبل الاقتصاد الأمريكي والعملة الأمريكية التي ترتبط بها عملات العديد من بلدان العالم. وفيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي، فإن سير الأمور لا يدعو للتفاؤل، فبعد رفع سقف الاقتراض في بداية الشهر الجاري تجاوز حجم الدين قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لأول مرة، وهو مؤشر خطير يعيد إلى الأذهان إخفاقات البلدان التي سبقت الولايات المتحدة في هذا الجانب، كاليونان وإيطاليا، خصوصا وانه لا تتوفر بدائل للإدارة الأمريكية للتقليل من حجم الدين العام في المدى القريب على أقل تقدير، مما يعني أن كرة الثلج هذه سوف تستمر في التدحرج لتتحول إلى قنبلة موقوتة من غير المعروف متى ستنفجر لتدمر كل ما حولها. وفي الوقت نفسه، فإن تخفيض الإنفاق بنسبة كبيرة والذي أقره الكونغرس بالتزامن مع رفع سقف الإقراض سوف تكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، إذ ربما يؤدي إلى المزيد من التباطؤ الاقتصادي وزيادة أعداد العاطلين عن العمل وتقليل القدرة على التعافي السريع للاقتصاد الأمريكي. وفي الجوانب المالية، فإن تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من "AAA " إلى "+AA " مع نظرة سلبية سوف يؤدي إلى رفع خدمة الدين في الولايات المتحدة، مما سيزيد من الالتزامات المالية وحجم القروض، خصوصا وأن التصنيف الجديد أضيفت له جملة مع نظرة سلبية، إذ قد يعني ذلك إعادة تقييم هذا التصنيف في عام 2013 وتخفيضه من جديد. وضمن أمور أخرى يشير ذلك إلى إمكانية انخفاض قيمة الأوراق المالية الأمريكية والعائد السنوي عليها، وبالأخص سندات الخزانة والتي تستثمر فيها بلدان العالم مئات المليارات من الدولارات، حيث تبلغ الاستثمارات العربية وحدها في سندات الخزانة 400 مليار دولار، وإذا ما انخفضت هذه السندات بنسبة %10 على سبيل المثال وكما هو متوقع، فإن الخسائر العربية في هذا الجانب ستبلغ 40 مليار دولار، وذلك باستثناء الخسائر في الأوراق المالية الأخرى، علما بأن العائد على هذه السندات لمدة عشر سنوات انخفض من 4% في عام 2008 إلى 2.5% في الوقت الحاضر. أما في الجانب النقدي، فإن آفاق العملة الأمريكية في ظل هذه التطورات تبدو قاتمة للغاية ويتوقع أن تمنى بالمزيد من الخسائر في أسواق الصرف الدولية، إذ تدخل المصرف المركزي الياباني الأسبوع الماضي لشراء الدولار بهدف رفع سعره مقابل الين بعد أن انخفض الدولار إلى مستويات تاريخية متدنية ليسجل 78 ينا للدولار. وفي هذا الصدد سيشكل ذلك معاناة حقيقة للعملات المرتبطة بالدولار، بما فيها العملات الخليجية، باستثناء الدينار الكويتي وستتكبد البلدان المصدرة للنفط خسائر جسيمة لارتباط أسعار النفط بالدولار الأمريكي. وإذا كان مثل هذا الانخفاض سيساهم في زيادة الصادرات الأمريكية، وهو أسهم بالفعل، حيث احتلت مبيعات شركة "جنرال موتورز" الأمريكية من السيارات المركز الأول في العام الماضي، بعد إزاحتها لشركة "تويوتا" اليابانية عن هذا المركز، فانه بالنسبة للبلدان المرتبطة عملاتها بالدولار يعني المزيد من غلاء الأسعار والتضخم وانخفاض عملاتها تجاه العملات الرئيسة الأخرى في العالم وارتفاع قيمة وارداتها من السلع والخدمات. لذلك، فإن الأمر يتطلب من هذه البلدان المرتبطة بالدولار، بما فيها دول الخليج إعادة رسم سياساتها المالية والنقدية للخروج من هذه الدائرة التي ستزداد تعقيدا مع فترة الانتخابات الأمريكية في العام القادم والتنازع بين حزب الشاي وإدارة أوباما والتي ستستغل فيها الجوانب الاقتصادية والمالية بصورة لم يسبق لها مثيل، حيث يترتب على الشعب الأمريكي دفع ثمن هذا الصراع، أما البلدان الأخرى فلا ذنب لها ومن الأفضل لها اتخاذ إجراءات احتياطية قبل فوات الأوان وإعادة ترتيب خارطتها الاستثمارية حول العالم والتي بدأت في التغير الجذري من خلال توفر فرصا جيدة في أوروبا والأسواق الصاعدة، وكذلك النأي باقتصاداتها بعيدا عن الاقتصاد الأمريكي المتهاوي وعملته التي ما زالت لحسن الحظ مرتفعة بالنسبة للروبية الباكستانية والتومان الإيراني ودولار زيمبابوي!.