20 سبتمبر 2025

تسجيل

رمضان والعلاقات الاجتماعية

14 أغسطس 2011

كما أن الصيام يعني تكامل العبادة فهو يعني أيضا تكامل الآداب الحميدة التى يتحلى بها المسلم في تعامله مع نفسه وتعامله مع الآخرين، في إخلاصه العبادة لربه.. وفي اكتسابه حسن الخلق من تعاليم دينه الحنيف، وقد تمثلت الأجيال السابقة بهذه المعاني السامية أجمل تمثل.ولأن الحياة كانت بسيطة ولم تعرف تعقيدات الحياة العصرية، فقد كان من السهل تفشي السمو بالنفس الى آفاق الفضيلة، لترتع في مرابع الخير والهدى، متفيئة بظلال الشريعة الغراء، وبهديها الأبلج.لقد كانت العـلاقات الاجتماعية قوية ومتينة بين الناس، فإذا جاء الشهر الكريم زادها قـوة ومتانة. أليس المسلمون كالجسد الواحـد كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد.. إذا اشتكى منه عضـو تداعى له سـائر الجسد بالسهر والحمى)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.ويبلغ هذا التواد وهذا التراحم الى حد شعور الصائم بأنه مسؤول عن جيرانه كمسؤوليته عن أهل بيته، ولم يكن غياب رب الأسرة لأي سبب، بالأمر الخطير، لأنه يعرف أن أسرته ستكون محـل عناية الجيران حتى عودته، أما الأسر التى لا عائل لها فإن جيرانها يتولون رعايتها وقضاء احتياجاتها الرمضانية دونما حرج.وقد بلغت تلك العلاقات الاجتماعية من القوة والمتانة إلى حد معرفة الجميع بما يستجد على حياة الفرد، وما يطرأ على أحواله من تغيرات، وما من مريض يمرض أو مسافر يسافر أو عائد يعود، إلا ويعلم به جميع سكان الحي أو القرية للتو واللحظة، وكأن الجميع يعيشون في أسرة واحدة صهرهم الإيمان في بوتقته، وغذاهم من رحيق أُلفته ومحبته. تنفيذاً للقول/النصيحة (كونوا عباد الله إخوانا) فكان الواحـد منهم نعم الأخ لأخيه.. حتى من يزغ الشيطان قلوبهم، وينحرفون عن جادة السلوك السوي، فسيجدون من كبار القوم من يردعهم عن هذا الخطأ ويعيدهم الى حظيرة الـولاء للمثل والقيم الإسـلامية النبيلة، مصـداقا لقوله تعـالى: "فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا".وإذا عرف أحد بأنه فظ غليظ القلب على من يحتك بهم أو يتعامل معهم، فإنه يتحول في رمضان بتأثير الأجواء الروحانية التى يعيشها الجميع.. إلى شخص أقل فظاظة وغلظة، وهو وإن لم يتخل عن طباعه التى جبل عليها، إلاّ أنه مضطر لمجاراة الآخرين في حسن سلوكهم، فهو لن يسمع ممن قد يقع في قبضة فظاظته وغلظة قلبه.. إلا عبارة (إني صائم) وبذلك يرتدع عن تماديه في الخطأ، ويحاسب نفسه على ما يسيء للآخرين من تصرفاته.ولم تكن موائد الفطور سوى مظهر من مظاهر قوة ومتانة العلاقات الاجتماعية، وهــذه الموائد لم تكن مما يقدمه الأغنياء للفقراء كما قد يتبادر الى الأذهان، ولكنها موائد مشتركة بين سكان الحي الواحد، عندما يجلب كل فرد شيئاً من طعام الإفطار المعد لعائلته، فيجتمع الرجال في مثل هذه الموائد المشتركة لتناول الفطور تجمعهم روح التصافي والمحبة، وتوطد علاقتهـم معاني الخير والإيمان، وكانت هذه الموائد الجماعية تقام في الساحات العامة القريبة من المساجد، حتى إذا ما تناول الجميع فطورهم توجهوا إلى المسجد لأداء فريضة صلاة المغرب، ولم يكن من عادة الصغار أن يجلسوا مع الكبار على المائدة نفسها، كما لم يكن من عادة أولئك الصغار.. الكلام عندما يتكلم الكبار، فهم في حالة إصغاء يصاحبها انتباه تام للتحرك والاستجابة السريعة لأي طلب قد يوجه لهم من قبل أحد الكبار، ومع ذلك لم تكن القسوة أو التجهم أو الشدة من علامات العلاقة بين الآباء والأبناء، أو بين الكبار والصغار بصفة عامة، فلا تخلو مثل هذه اللقاءات من تعليق لطيف، أو مديح يثلج الصدر، يعلنه أحد الكبار ليتوج به هام أحد الصغار إذا أتقن عملاً ما، أو أقدم على صنيع حسن، وبمثل هذا يتباهى الصبي بين أقرانه، ويتباهى به أهله بين معارفهم.فإن كانت العلاقات الاجتماعية قوية ومتينة في الماضي، فهي في رمضان تصبح أكثر قوة ومتانة، بفضل الله ثم بفضل هذا الشهر الكريم، وما فيه من الخير العميم[email protected]