15 سبتمبر 2025
تسجيلمنهجية التنديد والاستنكار وإصدار البيانات والنداءات الموجهة للعالم في مواجهة شراسة العدوانية الصهيونية المتصاعدة في قطاع غزة الفلسطيني, لم تعد مجدية أو مطلوبة على الإطلاق، فهي قد أثبتت فشلها خلال العقود الستة المنصرمة, وقدمت لسفاحي الكيان مبررا ليستمرئوا هذه العدوانية التي لم تتوقف منذ الإقدام على التهام فلسطين في حرب الـ1948 وحتى اللحظة, إنها الجوهر والحقيقة المطلقة التي نهض عليها هذا الكيان, ومن ثم يتطلع المرء, مثلما يتطلع الرأي العام الفلسطيني والعربي إلى الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية, والذي سيلتئم في الساعة التاسعة من مساء اليوم بالقاهرة, إلى أن يتجاوز هذا المنحى قافزا باتجاه تبني خطوات عملية موجعة للكيان, وتدفعه دفعا لوقف عدوانه على غزة, والذي لم يفض إلا إلى نسف البيوت وقتل سكانها من الأطفال والنساء والرجال العزل غير المنخرطين في فصائل المقاومة.لم يعد بمقدور بيانات أو قرارات الجامعة وغيرها من المنظمات الإقليمية أن تغير من معادلة الصراع مع الكيان, مادامت تقوم على اللغة الفضفاضة والضبابية والتي لا توحي بأي إشارات عملية, وهو ما يدفع البعض إلى التساؤل عن جدوى الجامعة والنظام الإقليمي العربي, إن لم يكن قادرا على تقديم العون لشعب عربي في مواجهة آلة حربية شديدة الوطأة, تقتل دونما رحمة وتدمر دون عقل وتنتهك الحرمات دون تمييز ولا ينبغي لأحد أن يظن أنني أدعو إلى المواجهة العسكرية مع العدو الصهيوني ردا على عدوانه, فذلك أمر لا يستقيم مع الظروف الموضوعية التي يشهدها النظام الإقليمي خاصة بعد ثورات الربيع العربي والتي تحولت بفعل فاعل إلى خريف، فأغلبها أجهض مبكرا دون أن تحقق ما طرحته من شعارات ونداءات الكرامة والعدالة والعيش والديمقراطية, خاصة بعد أن تعرضت للسطو من قوى غير ثورية , امتطت متن هذه الثورات فحولتها إلى فعل مدمر للأوطان وممزق للشعوب, فضلا عن انشغال ما يمكن وصفه بالدول العربية المحورية في معادلة الصراع مع العدو وفي مقدمتها مصر والعراق وسوريا وليبيا، في صراعاتها الداخلية ومحاولات إعادة بناء الدولة وصياغة مساراتها من جديد , والأهم من ذلك أن الجيوش العربية لم تعد عقيدتها القتالية موجهة للعدو الصهيوني بقدر ما هي مخصصة لعدو داخلي.ومع ذلك يمكنني القول إنه بوسع النظام الإقليمي العربي توظيف أوراق قوية في المواجهة مع الكيان الصهيوني بعيدا عن اللجوء إلى الجيوش أو الخيار العسكري ويتمثل ذلك في تقديري فيما يلي:أولا: وقف كل أشكال التنسيق الأمني بين أطراف عربية، بما فيها السلطة الفلسطينية مع الكيان، مهما كانت الحجج، فهو يستفيد مما يحصل عليه من معلومات في إطار هذا التنسيق لخدمة مشروعه الاستعماري الاستيطاني التمددي ومحاربة قوى المقاومة.ثانيا: الإسراع بسحب كل الممثلين الدبلوماسيين العرب في عاصمة الكيان وإبعاد ممثليه من العواصم العربية والذين تحولوا إلى مراكز متقدمة للحصول على المعلومات عن كل مناحي الحياة وباتت كل أوراقنا مكشوفة أمام العدو.ثالثا: وقف كل أشكال التطبيع القائمة مع العدو، سواء على الصعد الاقتصادية أو السياسية أو الصناعية أو العلمية أو الصحية, فللأسف نجح العدو في فرض معادلة التطبيع في اتفاقيات السلام التي أبرمها مع أطراف عربية، صحيح أنها لم تتمدد على النسق الشعبي غير أن دوائر حكومية وبعض دوائر رجال الأعمال, ظلت منغمسة في التطبيع الذي حقق العدو من ورائه مكاسب وأرباحا هائلة في صدارتها قدرته على اختراق قطاعات إستراتيجية اقتصادية عربية لم يكن يحلم بها من قبل, وفي هذا السياق ألفت إلى أنني نشرت في مجلة الأهرام العربي المصرية قبل سنوات تقريرا موسعا عن اختراقات واسعة للكيان الصهيوني لبعض رموز رجال الأعمال العرب والمشاركة معهم في عمليات غسيل أموال, بل إن مشروعات ضخمة أقيمت بعائد هذه العمليات في بعض العواصم العربية وفي الكيان نفسه , والأخطر من ذلك أن المستشفيات في الكيان باتت مرتعا لمرضى عرب، خاصة من الأثرياء والشخصيات السياسية الرفيعة المستوى, وهو ما كنت قد أشرت إليه في تقرير الأهرام العربي وأكده لي الشيخ رائد صلاح القيادي الإسلامي في فلسطين 1948 خلال حوار أجريته معه.رابعا: قيام الفضائيات العربية بغلق شاشاتها أمام القيادات الصهيونية والتي أسهمت في دخولهم إلى منازل العرب تحت حجة اعرف عدوك, وكانت النتيجة أن العدو تمكن من تحقيق اختراقات جوهرية وقدمت رموزه التي تدين بالولاء فقط لمنطق النار والدم باعتبارهم بشرا عاديين, خاصة أنهم برعوا في تقديم التيسيرات لمكاتب هذه الفضائيات , في حين أننا لم نزدد معرفة بالعدو، بل تضاعف تخبطنا في فهمه , والتعامل معه بدليل التعثر المستمر في الحصول على أي مكاسب , منذ أن أعلن العرب أن السلام خيارهم الإستراتيجي الوحيد وقدموا مبادرة للسلام منذ أكثر من 12 عاما لم يعترف بها الكيان، بل ينظر إليها بدونية.إن الكيان الصهيوني لم يعد يشعر بالعزلة ما دامت كل هذه الأنماط من التعاطي العربي، سواء السري أو العلني معه , بل جعلته يدرك أنه أضحى جزءا من المنظومة الإقليمية إلى حد مطالبة بعض الدوائر فيه للانضمام إلى الجامعة العربية وبالتالي فإن المطلوب من الاجتماع العربي الوزاري الطارئ اليوم أن يقدم منظورا مغايرا يقترب من تحقيق هذه المطالب التي من شأنها أن تجبر العدو على وقف عدوانه وتغيير معادلاته في الصراع وصولا إلى القبول بإنهاء النزاع، والتعبير للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية, والذي ما فتئ يكرر في حوارات لي معه رفضه للمنهجية السائدة منذ سنوات والتي تقوم على إدارة النزاع عبر أدوات أثبتت عجزها , وفي مقدمتها المفاوضات الثنائية التي فشلت مبادرة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي فشلا ذريعا، لأنه انحاز إلى المنظور الصهيوني فقط على حساب الحقوق الوطنية للفلسطينيين, واللجنة الرباعية الدولية التي لا تمارس أي دور حقيقي, وأظن أنه حان الوقت لتجاوز كل هذه الصيغ والأدوات والبحث عن عقد مؤتمر دولي للسلام, إذا كان ثمة من يؤمن بالسلام في عالم اليوم، خاصة سلام الشعب الفلسطيني.