12 سبتمبر 2025
تسجيلتتمتع بلدان أوروبا الشرقية ببعض الخصوصيات، وذلك رغم انضمامها للاتحاد الأوروبي، إذ أنها تمتلك ثروات طبيعية هائلة لم تستغل بصورة مثلى حتى الآن، فالأنظمة السابقة لم تملك القدرة اللازمة لاستثمار الفرص المتوافرة بسبب هيمنة الدولة على الاقتصاد والانغلاق على الاستثمارات المحلية والأجنبية الخاصة، إذ ظل الكثيرمن مجالات الاستثمار مهملة لفترة طويلة. ومع انهيار المعسكر الشرقي ورفع القيود عن الاستثمارات المحلية والأجنبية، ومن ثم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي انفتحت آفاق واسعة للتعاون الاقتصادي والاستثماري في بلدان أوروبا الشرقية، خصوصا وأنها لم تتأثر كثيرا بالأزمة المالية العالمية وأزمة منطقة اليورو، إذ أنها ظلت بعيدة نسبيا عن هذه الأزمات، وذلك بسبب ضعف اندماجها بالنظام المالي العالمي وعدم انضمام معظمها للعملة الأوروبية الموحدة حتى الآن. من هنا جاء الاهتمام الخليجي بزيادة التعاون الاقتصادي والاستثماري مع هذه المجموعة من البلدان والتي تعتبر إلى جانب أهميتها الاقتصادية سوقا واعدة للصادرات الإماراتية والخليجية ومصدرا مهما للمواد الغذائية لدول المجلس. وضمن نطاق هذا الاهتمام، فقد ذكرت صحيفة البورصة الرومانية نقلا عن وزير الاقتصاد والتجارة والأعمال الروماني أن الإمارات تعتبر الشريك التجاري الأول لرومانيا في منطقة الخليج، حيث ارتفع التبادل التجاري بينهما بنسبة 83% خلال عامين ليصل الى 530 مليون دولار عام 2011 مقابل 290 مليون دولار في عام 2009 و340 مليون دولار في عام 2010. وبالإضافة إلى دولة الإمارات وقعت دول مجلس التعاون اتفاقيات عديدة لتنمية التعاون الاقتصادي وإقامة مشاريع مشتركة مع بعض بلدان أوروبا الشرقية، كالتعاون ما بين أوكرانيا والمملكة العربية السعودية واتفاقيات الطاقة بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية. لذلك، فإن آفاق التعاون بين الجانبين تبدو واعدة إلى حد بعيد، ففيما يتعلق بدولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن زيادة التعاون الاقتصادي مع بلدان أوروبا الشرقية يمكن أن يحقق العديد من المكاسب، فأولا سيفتح مثل هذا التوجه أسواقا كبيرة للمنتجات الخليجية من البتروكيماويات والألمنيوم ومشتقات النفط. وثانيا، فإنه يتوقع أن تتوافر لدول المجلس وصناديقها السيادية فوائض نقدية كبيرة بفضل استمرار بقاء أسعار النفط عند معدلات مرتفعة في الفترة القادمة، حيث يمكن توجيه جزء من هذه الفوائض للاستثمار في بلدان أوروبا الشرقية لتحقيق عوائد جيدة ولتنويع المساحة الجغرافية للاستثمارات الخليجية في الخارج، وبالتالي تقليل المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، مثلما حدث أثناء الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي مؤخرا. وثالثا يمكن أن يساهم مثل هذا التوجه في المساهمة في تحقيق بعض التوجهات الاستراتيجية لدول المجلس، كتحقيق الأمن الغذائي، فبلدان أوروبا الشرقية تملك أراضي زراعية شاسعة لم تستغل حتى الآن وتتوافر فيها مصادر المياه. ورابعا، يمكن لبلدان أوروبا الشرقية أن تكون مصدرا للمواد الخام اللازمة لبعض الصناعات الخليجية وبأسعار مناسبة، كالحديد وصناعة المواد الغذائية، وذلك إلى جانب التعاون التقني والعلمي في العديد من المجالات، بما فيها مجال تطوير مصادر الطاقة البديلة والذي يوليه الجانبان أهمية كبيرة. وفي هذا الجانب يمكن لبلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السعى للإسراع في توقيع اتفاقية المنطقة التجارية الحرة بين المجموعتين الخليجية والأوربية والتي ما زالت معلقة منذ أكثر من عشرين عاما. أما البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كروسيا الاتحادية وبلاروسيا، فإنه يمكنها توقيع مثل هذه الاتفاقية مع دول مجلس التعاون الخليجي، مما سيكون له انعكاسات إيجابية على التعاون الاقتصادي بين هذه الأطراف. ولنجاح هذ المساعي، فإن الأمر يتطلب وضع الأسس اللازمة لعلاقات اقتصادية وتجارية مستقبلية تعبر عن مصالح الطرفين، وهو أمر ممكن ويحمل بين طياته آفاقا مستقبلية واعدة للمجموعتين الخليجية والأوربية الشرقية.