11 سبتمبر 2025

تسجيل

ديمقراطية الشورى.. إضاءات بسيطة في مسألة معقدة

14 يونيو 2023

وصلنا، سابقا، في مقارنتنا بين "الانتخاب الطبيعي" والديمقراطية الغربية إلى أن "سلام ويستفاليا" (1648) كان اتفاقا على نهاية الدين، كحاكم لتصرفات النخب الأوروبية وإيذانا بانفلات تلك التصرفات إزاء العالم كله وإن بقي الدين يستغل كشعار زائف أمام الشعوب عند اللزوم. والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها، حديثا، غزو أفغانستان والعراق، وما تسمى بالحرب على الإرهاب، التي لم يتورع جورج بوش الابن عن تشبيهها بالحروب الصليبية، قبل أن يتراجع تحت الضغوط. ونشير هنا إلى أن تاريخ الديمقراطية مليء بالتخبط، وأنها في شكلها الحالي، الذي يفترض أنه الشكل النموذجي، كانت نتاجا غير مباشر لـ "نظام ويستفاليا" العالمي. فبعده ظلت هناك، جزئيا، ما تسمى ديمقراطية النبلاء أو "ديمقراطية أثينا" التي روجت الأكاديميات الغربية أنها أم الديمقراطيات في التاريخ. وتلك بدورها ديمقراطية وهمية، أسهب كثيرون في شرح زيفها. ولم تظهر الديمقراطية بمعاييرها الحالية إلا بعد الثورة الفرنسية 1789. وقد تعددت منذ ذلك الحين المسميات التي تطلق على الممارسة السياسية التي ارتأت النخب الغربية إلصاق وصف الديمقراطية بها، بحيث تجرأ عدد من المتأخرين من علماء السياسة، والمتحدثين فيها، على إطلاق اسم "الديمقراطية غير الليبرالية" على أي دولة تنظم انتخابات تعددية بغض النظر عن تزويرها أو انتهاك الحقوق والحريات ومعيار الحياة الكريمة. وإذا كانت الحال هكذا فما قيمة الديمقراطية إذن؟! في الوقت نفسه ظل المتحدثون عن النظام السياسي في الإسلام، مثلا، يقعون في فخ الدوران في فلك المسميات الغربية ويحاولون المقارنة بين نظام الشورى والديمقراطية. وهم في ذلك يمايزون بين الشورى والديمقراطية، مع أن الإنصاف يقتضي التسليم باستيعاب النظام الشوري لأفضل ما في الديمقراطية النموذجية، والاعتراف بأنه ديمقراطية خاصة، يمكن تسميتها "ديمقراطية الشورى". وربما لم ينج من ذاك الفخ إلا قلة من المفكرين منهم عباس محمود العقاد، في كتابه "الديمقراطية في الإسلام". لكن أحدا لم يقل بأن الشورى هي ديمقراطية بحد ذاتها. ولم لا إذا كان الآخرون يلصقون الديمقراطية بكل ما يحلو لهم؟. وهناك إشكاليات جوهرية في أصل الفكرة الديمقراطية، تحدث عنها كثيرون، قديما وحديثا، لذلك أجمل بعضها فيما يلي: فمنها استخدام النخب للمال السياسي للتأثير على توجهات الناخبين من خلال حملات تشويه الخصوم، بينما يفتقر كثير من المستحقين للترشح إلى الدعم المالي. وهذا ينسف معيار التنافس الحر الشريف. ومنها أن أي عمل جماعي سياسي أو غير سياسي يجعل الحرية الفردية تالية أو تابعة لقرارات الأغلبية، والأغلبية هنا أغلبية وهمية، هي أغلبية النصف وواحد، التي وصفها توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة بأنها تمكن نصف الشعب تقريبا من استلاب رأي وحرية النصف الآخر. ومنها أن الديمقراطية أو غيرها لا يمكن أن تتحقق بدون مركزية، والمركز هنا هو مجرد مجموعة غير ممثلة للشعب بأي مقياس، فمعظم من يضعون القوانين والإرشادات للمجتمع هم أشخاص أو موظفون لم ينتخبهم الشعب. وحتى الذين انتخبهم جزء من الشعب "نظريا"، جاءوا بانتخابات لم تتحقق فيها المعايير الصحيحة للحياد وحرية الاختيار. ومنها أن الديمقراطية تقتضي منع الاحتكار سواء السياسي أو الاقتصادي لكنك تجد أن كل شيء تقريبا في النموذج الأمريكي مثلا محكوم بالاحتكار الفج على كل المستويات. وهكذا، فأنت كلما ذهبت تطبق أحد معايير أو متطلبات الديمقراطية وجدته يتناقض مع نفسه أو مع الفكرة الأم للديمقراطية ذاتها والتي قالت مجلة الايكونوميست في عددها الصادر في يوليو 2022 إنها "غير قابلة للتطبيق في المقام الأول"، وما ذاك إلا نتيجة مشكلة جوهرية في الفكر المرجعي وراءها. وللحديث صلة.