03 أكتوبر 2025

تسجيل

تركيا تفشل المؤامرات وترسخ دولة الحق والعدل

14 يونيو 2021

تدشن الجمهورية التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية مرحلة جديدة من تاريخها الحديث منذ أن تغيرت موازين العلاقات الدولية برحيل الرئيس الأمريكي ترامب وقدوم الرئيس بايدن، وبهذا التحول العميق في توجهات الدول العظمى والمتوسطة يدخل العالم عهداً جديداً يتميز عموماً بعودة البراغماتية الإستراتيجية إلى الساحة الدولية عوض التطرف العرقي والديني والإثني الذي طبع السنوات الأربع من حكم ترامب، وهي سنوات أحسن فريد زكرياء المفكر الأمريكي المسلم الشهير نعتها بسنوات عزل الولايات المتحدة عن العالم وإحكام غلق أبوابها في وجه الأمم الأخرى، وإعلان انعزالها بالخروج من كل المعاهدات التي وقعها أسلافه الرؤساء وطبعا كما قال زكرياء "فإن عهد ترامب كان عهداً فاشياً بامتياز وضد الطبيعة الأمريكية والمصالح الحيوية لأمتنا، ولهذه الأسباب لم يصوت الشعب لتمديد عمر المغامرة الترامبية أربع سنوات أخرى لأنها غير مأمونة العواقب" (المصدر برنامج زكرياء في قناة سي ان ان 3 يونيو 2021). وكانت تركيا أولى الدول التي استوعبت درس التحول المبارك، فلم تكتف باستخلاص العبرة بل تحركت نحو محيطها التاريخي والجغرافي فباركت أول ما باركت اتفاق العلا الذي أذن بعودة الأخوة والوئام إلى مجلس التعاون الخليجي، وهو اتفاق مسح آثار ثلاثة أعوام ونصف العام من القطيعة وسوء التفاهم بين الأخوة الأشقاء، وقد فتح باب العالم أمام دول وشعوب الخليج العربي مركز حضارة العرب والإسلام ومحط ثروات العالم الطاقية من الغاز والنفط. وتتطلع تركيا إلى دخول نادي الدول المنتجة للغاز، حيث بشر أردوغان شعبه بأنه تم اكتشاف مخزون من الغاز في الأراضي التركية وفي مياه بحرها الإقليمية يقدر بحوالي 23 مليار طن من هذا الوقود النظيف الذي يعتبر طاقة المستقبل، ثم تأتي السياسة الخارجية لتركيا الجديدة فتعلن بقوة وثقة في النفس عن احترام تركيا لتعهداتها الأوروبية بفضل الزيارة الرسمية الناجحة التي أداها وزير الخارجية التركية السيد مولود جاويش أوغلو إلى باريس ليستعيد الحرارة في العلاقات بين تركيا وفرنسا بعد جفوة طويلة لم تخضع أثناءها أنقرة للاستفزاز والابتزاز، ولم تنس الدبلوماسية الفرنسية أنها قاطرة الدبلوماسية الأوروبية في الشؤون الشرقية أي العلاقات مع العالم العربي والإسلامي، حيث لباريس تقاليد تاريخية، كما لبريطانيا مع المشرق وإدارة أزماته والتعامل مع قضايا اليوم المتعلقة أساساً بالهجرات غير الشرعية وبما يسميه الأوروبيون (الإرهاب) وتدفق النفط والغاز وحماية الأمن في الإقليم والعالم من خلال ملف النووي الإيراني وحرب اليمن وسوريا والفوضى في العراق وأبعد منها في أفعانستان، هذه الأزمات التي تعصف بالأمن الأوروبي لا ترى باريس كيف نعالجها وتواجهها دون التعامل الذكي مع تركيا وهي تحتل القلب من كل هذه الأزمات، وفي يد الرئيس أردوغان عدد من الأوراق الرابحة من مصلحة أوروبا أن تستفيد منها. ولم تسلم تركيا من المؤامرات المتكررة ضد أمنها وحضورها وآخرها أن زعيما للمافيا "سادات بكر" هارب في الخارج حاليا يبث سلسلة فيديوهات خطيرة يتهم فيها قيادات سياسية تركية منهم وزير الداخلية "سليمان صويلو" بالتورط معه في ممارسات خارجة عن القانون، وقد فعل ذلك بعد حملة لوزارة الداخلية على عصابته واعتقال العشرات من عناصره واقتحام منزله، وأثارت الفيديوهات التي كان ينشرها الرجل شبهات تهدف إلى تلويث سمعة الحكومة التركية وأردوغان بالذات!، وطبعا المعارضة لم تترك الفرصة وشهرت بالنظام كله وبأردوغان وأسرته وحكومته وحزبه ووجهت اتهامات من العيار الثقيل للجميع وطالبت بعزل وزير الداخلية لتتم محاكمته، لكن السحر انقلب على السحرة وقبل الوزير التحدي فواجه أربعة من أعنف الإعلاميين معروفين بمعارضتهم للحزب الحاكم، حاولوا على مدى ساعتين اتهامه فدافع عن نفسه وعن شرفه وعن نظافة حزبه ورئيسه بقوة الحجة وشعر الأتراك أن أردوغان أحبط مؤامرة خارجية أخرى، وانتصر الحق التركي مرة أخرى على باطل المعادين والمعتدين. أما المعطى الجديد فهو ما ظهر على العلن من رفض الرئيس ماكرون والزعماء الأوروبيين لما سموه (الهيمنة الأمريكية على سياسات الاتحاد الأوروبي وجره إلى الصدام مع الصين و روسيا) أثناء قمة السبعة الكبار في بريطانيا هذا الأسبوع فقد نجح أردوغان في اغتنام هذه الرياح الجديدة لتنخرط تركيا في لعبة الأمم وخارطتها الجديدة. كاتب تونسي [email protected]