16 سبتمبر 2025
تسجيلها هو قد قارب شهر رمضان المبارك على الانتهاء! فسريعة هي تلك الأوقات التي نعبد الله فيها، تمرُّ مرور الرياح، ولعل الأيام العشر هي مِسك الختام وتحفيز إلى الاشتداد في العبادة والحرص على ما يُرضي الله، وبهذا كان يتعامل رسول الله — صلى الله عليه وسلم — مع تلك الأيام، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ — رضي الله عنها — قَالَتْ: "كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". و"شَدَّ مِئْزَرَه" تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتزل النساء، وذلك حتى تصفو نفسه للصلاة وعبادة الله والتهجد ليلا وإطالة القراءة، و"أَحْيَا لَيْلَهُ" تعني أنه دب في ذلك الليل الحياة، فقد أخذ يتقرب فيه من الله عز وجل، ولا يوجد إحياء لليل أفضل من التهجد والوقوف بين يدي الله.فنِعَم الحياة تلك التي تحاط بذكر الله والمداومة على طاعته والتقرب إليه، وليس هذا فقط بل لم ينسَ أن يوقظ أهله ويُشركهم في هذا الثواب العظيم، وهذا أمر قليلا ما نفعله، بل أحيانا لا نضعه في الاعتبار ولا أعلم لماذا؟ ما الذي يجعلنا نتكاسل عن أن نوقظ أهلنا وذوينا حتى يصلوا صلاة الليل أو يقرؤوا القرآن في هذه الأيام المباركة؟! فالثواب يتضاعف ورمضان يرحل ولا يحل إلا بعد عام كامل.وإن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر تُقبِل علينا خلال تلك العشر، وعلينا أن نتحرَّاها، فربما صادفت قلبًا خاشعًا، وكانت النتيجة أن يغفر الله لمتحرِّي تلك الليلة ويعتق رقبته من النار، فليلة القدر خير من عبادة حياةٍ بأكملها، فما يُضيرُك إذا فتشتَ عن تلك الليلةِ لعلَّك تصيبها.وفي تلك الأيام أيضًا أُمرنا بالاعتكاف، فقد كان هذا عادةَ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتكف تلك العشر كاملة، فيجلس في المسجد يقرأ القرآن ويتقرب إلى الله بالصلوات، ويُكثر من الذكر، ويشغل عقله بالتأمُّل في خلق الله وإبداعه، ورحمته التي وسعت كل شيء، ويُفضَّل اعتكاف العشر جميعًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، لكن إذا اعتكفت يومًا أو أقلَّ أو أكثرَ جاز ذلك.فقد قال شيخنا ابن باز — رحمه الله —: "وليس لوقتِه حدٌّ محدود في أصح أقوال أهل العلم".وينبغي أن يحاسِبَ المؤمن نفسَه في تلك الأيام المعدودة، وينظر فيما قدَّم لآخرته، وما فعل من آثامٍ تستحقُّ التوبةَ، ويعود إلى الله مُخلِصًا، وأن يتجنَّب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ويقلل من الخُلْطة بالخلق، بل يُستحَبُّ الخُلوة والانفراد في العبادة،ولا ننسَى أن تلك الأيام هي تجديد لقلوبنا، فإنَّ مدار صلاح العمل هو القلب فما أعلاه من مكانةٍ تستحق السهر والشدة في العبادة لعلنا نفوز بطهارة وصلاح قلوبنا وننعم بعتق رقابنا من النار في هذه العشر المباركة. فلنحرص على أن نشحن قلوبَنا بالطاقة كل فترة، خاصة في رمضان، فصلاح الجسد كله قائم على تلك المضغة وهي القلب. فشمِّروا سواعدكم واستعدوا لتلك العشر.