31 أكتوبر 2025
تسجيللقد أوصانا الله عز وجل وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم على طاعة والدينا والعطف عليهم لأنهم عانوا معنا كثيرا حتى أصبحنا بهذا العمر فلولا تربيتهم لنا وعطفهم علينا لما وصلنا لهذه المرحلة التي نحن بها الآن، فقد جاء دورنا الآن لكي نجزيهم العرفان الذي قدموه لنا منذ صغرنا، فللوالدين مقام وشأن يعجز الإنسان عن إدراكه، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنَّه يبقى قاصرا منحسرا عن تصوير جلالهما وحقهما على الأبناء، وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم وعماد حياتهم وركن البقاء لهم، حيث إنهما بذلا كل ما أمكنهما على المستويين المادي والمعنوي لرعاية أبنائهما، فإن الخالق عز وجل قد فرض علينا العبادات بما فيها الصيام وهي أشبه ما تكون بمحطات يتزود فيها المسلم بطاقات تضمن له قوة تغلب دوافع الخير وهي وسائل لتحقيق الخضوع والعبودية لله تعالى وبناء المسلم ذي السلوك المتميز الذي ينتقل بالعبادة من موقع يعاني الضعف والهبوط البشري إلى موقع صاعد في مجال السمو والارتقاء فهو بعد العبادة إنسان آخر ولقد قال الله تعالى:(يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة183فمن شيمة ديننا الحنيف الوصية بالوالدين وإن بر الوالدين والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب واليد المبسوطة بالبذل وبالكلمة الطيبة المؤنسة والبسمة المفعمة بالود لخليقة أصيلة من خلائق المسلمين وهذا البذل لا يمكن لشخص أن يعطيه بالمستوى الذي يعطيه الوالدان.لذا اعتبر الإسلام عطاءهما عملا جليلا مقدسا استوجبا عليه الشكر وعرفان الجميل، وأوجب لهما حقوقا على الأبناء لم يوجبها لأحد على أحد إطلاقا، حتى إن الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده بشكل مباشر وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة مهما تعقدت أمور الحياة ومهما طرأ عليها من تطور مهما تجمع فوقها من ركام العادات المستوردة فهي من الأخلاق التي تحفظهم من تحجر القلب وتقيهم من أنانية السلوك وتردهم إلى أصالتهم وإنسانيتهم ووفائهم ، إذا ما تردى غيرهم في حضيض الأثرة والجحود والكفران وهي فوق ذلك كله تفتح لهم أبواب الجنان,ومن أبرز صفات المسلم الحق البر بالوالدين والإحسان إليهما لقد رفع الإسلام الرحمة بالوالدين إلى مرتبة لم تعرفها الإنسانية في غير هذا الدين , إذ جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي الإيمان بالله والعبودية له ،فقد جاءت آيات الله تترى متضافرة متعاقبة تضع مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله ، وتعد الإحسان إليهما فضيلة إنسانية تلي فضيلة الإيمان بالله يقول الله تعالى( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين أحسانا )النساء :36،فالمسلم صاحب القلب السليم و البصيرة المتفتحة، يتلقى دوما مثل الإيقاع الرباني الجميل في عدد من آيات الله البينات ،فيمتثل لأمر ربه ويزداد لوالديه احتراما و بهما برا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قلت : ثم أي ؟ قال بر الوالدين ,قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ) فالابن الصالح الذي صاغه الإسلام بحق إنسان بار بوالديه يحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير يقوم لهما إذا قدما على مجلسه وينكب على أيديهما لثما وتقبيلا يغض من صوته أمامهما تأدبا وإجلالا لهما ويخفض لهما من جناحه وينتقي العبارات المهذبة اللطيفة في حديثه معهما ،فلا يجري على لسانه معهما لفظ ناب أو عبارة خشنة جارحة ومن هنا كان الابن الحق بارا بوالديه في الأحوال كلها عاملا على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا.