11 سبتمبر 2025

تسجيل

مكاسب أردوغان وخسائره

14 يونيو 2015

على مدى 13 عاما قاد زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان ببراعة ومهارة كبيرتين، واستطاع أن يكسب 11 انتخابا خلال 13 عاما، وهو رقم قياسي في تاريخ الديمقراطيات، ورفع نسبة الأصوات التي حصل عليها من 39 في المائة إلى 50 في المائة، قبل أن ينخفض مجددا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى 41 في المائة من أصوات الأتراك، وعلى الرغم من تراجع مكاسب حزب العدالة والتنمية بنسبة 9 في المائة، إلا أنه لا يزال يتصدر المشهد السياسي في تركيا بوصفه الحزب الأكبر، الذي فاز في معظم أنحاء تركيا، في الوقت الذي عجز فيه منافسوه عن التقدم إلى الأمام، فقد خسر حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي نقطتين ولم يستطع أن يحرز أي مقعد في 37 مدينة، وفشل حزب الحركة القومية المعادي للأكراد بالفوز بأي مقعد في 32 مدينة، أما حزب الشعوب الكردي فلا وجود له في 56 مدينة، مما يجعل من حزب العدالة والتنمية فرس الرهان الدائم في المشهد التركي.لكن ورغم ذلك فإن المشهد السياسي دخل في مرحلة من التعقيد بسبب عدم قدرة حزب العدالة والتنمية على الفوز بأغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وبات عليه أن يتفاوض مع الأحزاب الأخرى، للدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة، مما يعني خسارة جزء من القرار، ومساحات اللعب في الميدان السياسي، فمن المعروف أن الحكومات الائتلافية عادة ما تكون هشة، وقابلة للانهيار مع أول خلاف بين أركان الحكم، ولا شك أن مثل هذه الحكومة إذا تشكلت فإنها ستكون "خسارة تكتيكية" لأردوغان وحزبه، وهي خسارة قد تقود في النهاية إلى إجراء انتخابات مبكرة.هل كانت طموحات أردوغان أكبر من قدرة تركيا على الاحتمال؟ وهل كان الرجل يريد تكريس نفسه "سلطانا" على البلاد، وأن يطيح بالهيمنة التاريخية لهادم الخلافة ومؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك؟القضية لا تتعلق بطموحات أردوغان السلطانية، ولكنها تتعلق بإعادة تعريف الهوية التركية، بوصفها هوية دولة "سياسيا وثقافيا واجتماعيا" وليس هوية عرقية، وهي هوية يشكل الأكراد والأرمن والعرب وغيرهم من الشعوب أضلاعا أساسية مهمة، لكن هذا التعريف التقدمي للرئيس أردوغان اصطدم بجملة من الخصوم الذين التقوا، رغم ما يفرق بينهم من عداء مستحكم، فالحركة القومية تعادي العملية السياسية مع الأكراد، وحزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي يعادي الهوية الدينية ويريد أن يكرس العلمانية "دينا رسميا" لتركيا، أما حزب الشعوب الكردي، فإن اسمه يشكل حالة من العداء لتركيا الدولة والهوية، وهو يرى أن تركيا مجموعة من الشعوب والهويات، وليست شعبا أو هوية بالمفهوم الوطني للكلمة، وهذا ما يجعل من مفردة "الشعوب" مصطلحا معاديا للمفهوم الوحدوي لتركيا الدولة، ويفتح أبوابا خلفية، في الوعي أو اللاوعي، من أجل الانفصال. وبالتالي فإن أجندته هي الانخلاع من الحالة التركية، رغم الكلام المنمق لأركان الحزب لإخفاء هذه الحقيقة، وهذا ما يجعل من وجوده في المشهد السياسي التركي "حالة غير مستقرة" بوصفه تجمعا للأصوات الاحتجاجية للأقليات التي تلاقت على الحيلولة لمنع أردوغان من الحصول على الأغلبية المطلقة أو أغلبية الثلثين، ولذلك التقى الأكراد والعلويون والمسيحيون والشيعة والأرمن في صعيد واحد ضد حزب العدالة والتنمية، وهذا شيء مشروع في العمل الديمقراطي، على ألا تكون الديمقراطية أداة من أجل تمزيق وحدة تركيا.