12 سبتمبر 2025

تسجيل

العودة الليبية للفوضى

14 يونيو 2014

ما يجري في ليبيا يكشف مزيدا من الخلل في بنية العقل السياسي العربي، فثوار الأمس الذين اقتلعوا الديكتاتور استبدلوا ذلك بديكتاتورية الفوضى والدم والموت، من خلال انكشاف عميق في الأهداف النهائية لبناء الدولة عقب سقوط النظام السابق، ما يدل على أن هناك تصورات خاطئة حول شكل الحكم في ذهنية المتصارعين حاليا والذين يقدمون أحد أسوأ النماذج في هدم الدولة بيد بنيها.الثورات العربية تظل أشبه بحالة كوما سياسية واجتماعية، فالكثيرون ثاروا ضد الظلم والطغيان ولكن لم تكن بأيديهم خريطة طريق أو خطة بديلة لعبور المرحلة التالية لإسقاط الأنظمة، وإنما تغيير والسلام، ذلك فعل وسلوك اجتماعي وسياسي ضار بالحاضر والمستقبل، وما يحدث في ليبيا حاليا يؤكد الحاجة الفعلية لميثاق شرف إنساني يوقف المهاترات وسفك الدماء ويتوافق المتحاربون على قواسم مشتركة بعيدا عن أي مسببات لانهيار الدولة.السلم الأهلي في ليبيا أو غيرها من بلاد الثورات لا يأتي إلا بتقديم تنازلات حقيقية من جميع المكونات والتيارات والاتجاهات السياسية، فسياسات العزل والإقصاء وفرض الأمر الواقع لا تنتج سوى تفكيك للعقل السياسي وتباعد الأطراف وإنتاج الخصومة والدخول في متاهات التضييق والاستقواء الداخلي والخارجي، وتجارب كثير من الشعوب في التاريخ المعاصر تقدم الدليل والبرهان على عدم توافق القوى الوطنية في السلطة والمعارضة.وبالإيقاع السياسي الحالي في ليبيا لا يتوقع أن تستقر الدولة مطلقا، لأن هناك أطرافا تريد حلولا أمنية وعسكرية لمعضلات البناء، وذلك يشتت الأهداف ويحرف الجميع عن المسار الوطني الصادق الذي يتعامل مع حقائق الواقع على الأرض بتوازن وشفافية، وحين يوجد طرف يتعاطى بلغة قوية مع غيره فليس متصورا أن ينتهي ذلك الى خير وإنما إمعان في التفرقة وتشتيت الجهود في إعادة ليبيا إلى سلامها وأمنها.لابد من حسم التوتر في ليبيا بالحوار واستيعاب جميع المكونات في عملية بناء الدولة، وتجاوز الآثار السلبية لإسقاط النظام دون وجود بدائل سياسية منطقية، وحتى إذا تمتع طرف بنفوذ في بعض المواقع، تبقى كثير من المواقع مكشوفة بالنسبة له ومصدر قلق لا يسمح بالتحول الديمقراطي، والعمل من أجل السلم الأهلي، ولذلك لا بديل عن الحوار والعودة بالدولة إلى ثباتها دون استقواء أو فرض سياسة أمر واقع بالقوة، ذلك سلوك خاطئ لن تتقدم معه ليبيا مطلقا.