16 سبتمبر 2025

تسجيل

قضية التمويل الأجنبي والاحتلال الناعم

14 يونيو 2013

عادت قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني إلى الواجهة مجددا مع صدور أحكام قضائية بحق المتهمين، خاصة بعد ردود الفعل الغاضبة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة. فبعد أن قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة المتهمين فيها. وعددهم 43 بينهم 19 أمريكيا. بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات مع الشغل. والحكم بحل فروع المنظمات الخمس المتهمة. وإغلاق مقارها. ومصادرة أموالها. وأمتعتها وما بها من أوراق، بدأت ردود الفعل الدولية تتوالى لتدين قرار المحكمة الذي رأت فيه خروجا على الديمقراطية، وعلى حق منظمات المجتمع المدني في ممارسة دورها باعتبارها، ركيزة مهمة من ركائز الديمقراطية في مصر الجديدة. ورغم اعتراف بعض المسؤولين الأمريكيين وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين، بتلقي بعض منظمات المجتمع المدني المصري مساعدات مالية من أربع منظمات أمريكية، إضافة إلى مؤسسة ألمانية، وهي منظمات مانحة لا تقدم أموالا على سبيل الهبة لوجه الله، لأنها تعمل في إطار سياسي ولأهداف سياسية، وهي تابعة في معظمها لأحزاب وهيئات تروج لقيم محددة تصب في خدمة الأهداف الأمريكية وتتخذ من نشر الديمقراطية ومفاهيم الحرية غطاء لتمرير أهدافها، مثل "فريدوم هاوس والمعهد الوطني الديمقراطي والمعهد الدولي الجمهوري والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين، إضافة إلى مؤسسة كونراد أديناور الألمانية"، رغم ذلك إلا أن ردود الأفعال تصر على أن الأحكام مسيسة وأنها تضر بالديمقراطية الوليدة في مصر. وكأن هذه الديمقراطية لن تستمر ولن تنمو إلا إذا حصلت على مصادر نموها من الغرب المعادي أصلا لأية محاولة من جانب أية دولة عربية أو إسلامية للتقدم باعتبارها عملا عدائيا يجب التصدي له. وهذا الأمر هو ما أشارت إليه حيثيات الحكم التي أكدت أن "التمويل الأجنبي يعد استعمارا ناعما وأحد الآليات العالمية التي تتشكل في إطارها العلاقات الدولية بين مانح ومستقبل، وهي شكل من أشكال السيطرة والهيمنة الجديدة، لكنها أقل كلفة من حيث الخسائر والمقاومة من الاستعمار العسكري، تنتهجه الدول المانحة لزعزعة أمن واستقرار الدول المستقبلة التي يراد إضعافها وتفكيكها". وأضافت "أنه في ظل النظام البائد الذي قزم من مكانة مصر الإقليمية والدولية وانبطح أمام المشيئة الأمريكية عبر التطبيع مع إسرائيل، برز على السطح التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني كأحد مظاهر هذا التطبيع بدعوى الحوار مع الآخر ودعم الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من المسميات التي يستترون في ظلها لاختراق أمن مصر القومي. وإزاء تردي الأوضاع اندلعت ثورة شعبية حقيقية، أشعرت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة للكيان الصهيوني بالخوف والرعب، فكان رد فعل أمريكا أنها رمت بكل ثقلها ضد هذا التغيير، ومن ثم اتخذت مسألة التمويل الأمريكي أبعادا جديدة في محاولة لاحتواء الثورة وتحريف مساراتها وتوجيها لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل، فكان من مظاهر ذلك تأسيس فروع لمنظمات أجنبية تابعة لها داخل مصر، خارج الأطر الشرعية لتقوم بالعديد من الأنشطة ذات الطابع السياسي التي لا يجوز على الإطلاق الترخيص بها للإخلال بمبدأ السيادة وهو المبدأ المتعارف عليه ويعاقب عليه في جميع دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها". إن ما قالته الحيثيات يوضح الأسباب الحقيقية لردود الفعل الغاضبة من قبل واشنطن وحلفائها الغربيين، فالأمر يتعلق بمحاولات الهيمنة الغربية على مصر، التي تعرضت أدواتها لمخاطر كبيرة بعد قيام ثورة يناير. والهدف من ردود الأفعال هو الضغط على السلطة الحاكمة في مصر من أجل تسوية القضية، خاصة بعد الإعلان عن الاتجاه نحو إخطار الإنتربول الدولي بأسماء المتهمين المطلوبين من أجل القبض عليهم. وإذا لم تقم السلطات بتنفيذ ما هو مطلوب منها فسوف تتصاعد ردود الأفعال بشكل أكبر حتى يتحقق الهدف.