11 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر التي تحترق...؟

14 مايو 2016

يبدو أن أشباح التاريخ لا تزال تصول وتجول في أرض مصر وأحداثها الجسام، وتجلياتها المتوترة والمتصاعدة، كما يبدو واضحا أن مصر اليوم تواجه تحديات تاريخية ملفتة للنظر، وخيارات صعبة للغاية في مواجهة وقائع وصراعات متجددة تتفاعل ملفاتها يوميا من خلال حزام الأزمات العنيفة الذي يزنر الوضع المصري الملتهب والقابل للاشتعال في زمن وتوقيت صعب وهو غاية في الدقة والحساسية والتعقيد. مصر وشعبها يقفان اليوم في مواجهة امتحان تاريخي صعب، وفي مواجهة سلطة تتخبط بأزماتها، وتفشل فشلا ذريعا في إدارة أوراق وملفات الصراع المحتدم والمتفاعل، فتفشي الإرهاب في الشارع المصري وهدر الدماء في مواجهات عبثية يذكرنا بأيام التسعينيات من القرن الماضي. في الأيام الأخيرة تجددت في مصر أحداث غريبة هي الحرائق التي انتشرت في مناطق حساسة من القاهرة، وهي ظاهرة خطيرة تذكرنا بأهم أحداث مصر في القرن العشرين المنصرم وهو حادث حريق القاهرة الشهير في 26 يناير 1952، وكان ذلك الحدث الجلل مقدمة لأوضاع متدهورة بدأت بمجزرة البوليس في مدينة الإسماعيلية بالصدام مع القوات البريطانية المرابطة هناك، ثم تطور الموقف ليصل لمرحلة الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1952 ومن ثم طرد الملك فاروق من مصر في 26 يوليو، لنصل إلى إلغاء النظام الملكي وإسدال الستار على حكم أسرة محمد علي باشا الكبير في صيف 1953 وتنصيب اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر، قبل أن ينقلب عليه صغار الضباط ويعزلونه ويذلونه ويخرجونه من كتب التاريخ عام 1954 في ظروف تاريخية أقل ما يقال إنها مشابهة إلى حد بعيد للظروف الحالية التي تمر بها مصر، وهي تعاني من سلسلة أزمات متعاقبة منذ انقلاب يونيو 2013 على الشرعية الدستورية واعتقال الرئيس الدكتور محمد مرسي والحكم عليه بالإعدام، وحملات الاعتقال الواسعة التي ضربت مصر وحولتها لمعتقل كبير جدا!. الأوضاع في شبه جزيرة سيناء في منتهى التدهور، والصراع مع الجماعات المسلحة أفرز نتائج صعبة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والمواجهات مع الجماعات المسلحة سواء في سيناء أم في العمق المصري مستمرة، فيما تتوالى احتجاجات أهل الرأي والصحافة والإعلام بين نقابة الصحفيين والداخلية المصرية، إضافة لتدهور الأوضاع الاقتصادية المريع رغم حقن المساعدات العربية والدولية، أما سلسلة المحاكمات الماراثونية فقد أضحت مذابح حقيقية للقانون في بلد مضطرب وهائج ويعاني من عقد التاريخ وتحديات الجغرافيا وإشكاليات الأزمات السياسية لنظام عسكري يتحدث ويعد بأكثر مما ينجز. حريق القاهرة الجديد وسلسلة الأحداث القادمة قد تكون مقدمة لمتغيرات كبيرة ومفاجئة في الساحة المصرية المفتوحة على احتمالات عديدة وبعضها قد يكون مفاجئا ويقلب كل معادلات السلطة ورهاناتها. لا أحد يتمنى أن تضيع مصر الكبيرة العريقة في دوامة أزمات صنعها النظام ذاته الذي فشل في إدارة الأزمة، واجتهد في تزوير الإرادة الشعبية، وأوغل في دماء الفقراء المصريين، ومارس سياسة قمع وقتل وتشريد لم يعد لها مكان ولا مجال في الزمن الذي نعيش! وحريق مصر لا سمح الله لن يكون وبالا على مصر وحدها، بل سيشمل محيطها العربي الأوسع. مصر المحروسة لن يعدم شبابها والمخلصين من أهلها أي وسيلة لتجاوز الواقع المر المرهق، وندعو الله مخلصين أن يعم الأمن والسلام في ربوع مصر العزيزة، وأن تبقى قاهرة المعز عاصمة عربية أبية حرة سالمة من الأذى والدمار، فحريق القاهرة لا سمح الله سيحرق أفئدة العرب أجمعين. ولكن يبقى السؤال الأكبر: متى يتعظ الطغاة؟ فتلك هي المسألة والمعضلة.. والمأساة.