18 سبتمبر 2025
تسجيللم يجد 5 شباب أردنيين من طريقة للفت الانتباه إلى معاناتهم من البطالة إلا الصعود إلى واحدة من أعلى العمارات في منطقة دوار الداخلية القريبة من مقر رئاسة الوزراء الأردنية ووزارة الداخلية والتهديد بالانتحار الجماعي، وهي الحادثة التي أثارت المجتمع الأردني الذي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية. الحمد لله أن هؤلاء الشباب لم ينفذوا الانتحار ولم يلقوا بأنفسهم من أعلى "عمارة الموت" في قلب عمان بعد أن أقنعهم رجال الأمن وأهل الخير بالعدول عن الموت وسيلة للاحتجاج. الشبان الخمسة في ربيع العمر، والأصل أن يكونوا من المقبلين إلى الحياة لا المدبرين عنها، لكن الحياة للأسف هي التي أدبرت عنهم كما يبدو. فقد فشلوا بالحصول على وظيفة أو فرصة عمل، حالهم كحال أكثر من ربع القوى العاملة في الأردن، فرغم أن الحكومة الأردنية تعلن أن نسبة البطالة هي 13% فإن تقديرات أخرى تشير إلى النسبة تتجاوز 25% وهي نسبة كبيرة بكل المقاييس.الانتحار أو التهديد بالانتحار ليست ثقافة سائدة في الأردن، فمن المعروف أن الشعب الأردني من أكثر شعوب العالم صبرا، وهو صاحب المثل الشهيد "مد لحافك على قد رجليك"، وهذا الشعب قنوع ويرضى بالقليل، إلا أن الانتحار زاد بشكل كبير، ليصبح ظاهرة حقيقية، وخلال السنوات الخمس الأخيرة سجل في الأردن حوالي 500 حالة انتحار أدت إلى موت منفذيها سنويا، بمعدل 100 حالة انتحار سنويا، غير المحاولات الفاشلة أو التهديد بالانتحار، وهي ظاهرة مفجعة في مجتمع محافظ ومتدين وصبور مثل المجتمع الأردني.لا شك أن الأوضاع المعيشية خاصة الفقر والبطالة لها مفعول السحر الأسود في إزهاق الأرواح المنتحرة في الأردن، فالإحصاءات تشير إلى نسبة الفقر بين الأردنيين تتجاوز 40% وأن نسبة الفقر المدقع تصل إلى 15%، وهم السكان الذين لا يجدون ما يأكلون، ويكفي أن نجد أن أكثر من 100 ألف عائلة، حوالي 500 ألف مواطن يعيشون على المساعدات المباشرة من الدولة والجمعيات الخيرية، وهي الأعداد المعلنة غير أولئكم الذين لا يسألون الناس إلحافا، وتحسبهم أغنياء من التعفف.لقد قمت بإجراء تحقيق صحفي استقصائي عن الفقر في الأردن قبل فترة ليست بالقصيرة، وشاهدت بعيني فقرا جعلني أبكي ليلة كاملة، لأنني لم أصدق أن هؤلاء الناس يعيشون بيننا بهذه الكيفية، ومع هذا كانوا صابرين بطريقة أسطورية.للأسف الشديد فإن الأردن يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، رغم النفي المتكرر لكل الحكومات، وأذكر أنني سألت رئيسا للوزراء عن رأيه بالوضع في الأردن، فأذهلني بجواب شعرت معه كأننا نعيش في سويسرا، فما كان مني إلا أن قلت له " أنت بتحكي عن جد"، وهل تعني ما تقول، فإذا به يرد بالإيجاب، فطالبته أن ينزل من برجه العاجي وأن يمشي في الشوارع ليرى الحقيقة، لأنه كان يحمل في يده ساعة يزيد ثمنها عن تكاليف المعيشة لعشر عائلات فقيرة ولمدة أعوام. في الأردن هناك "حالة إنكار" من قبل الحكومات المتعاقبة لمعاناة المواطن الأردني، وهناك سياسات اقتصادية ومالية خاطئة، وهناك تركيز على أولويات غير منتجة ولا تولد لا مالا ولا فرص عمل، وهناك إهمال من الدول العربية الغنية للأوضاع الاقتصادية المتهاوية للشعب الأردني. فالأردن يستقبل 1.5 مليون سوري و1.2 مليون مصري و1.1 مليون عراقي و80 ألف لبناني و20 ألف ليبي و20 ألف يمني.. وهؤلاء يزيد عددهم على نصف عدد الشعب الأردني، مما أدى إلى زيادة الأسعار والإيجارات والضغط على فرص العمل المتاحة والموارد الشحيحة في البلد، مما دفع قطاع كبير من الأردنيين إلى هاوية الفقر السحيقة.من يقدمون على الانتحار تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين، أي أن مستقبل الأردن وأمله هو من ينتحر، وهذا وضع لا يمكن قبوله أو تحمله، وهذا يعني أن الأردن يحتاج إلى "مشروع مارشال" عربي لإنقاذه قبل انفجار محتمل، لأن الأوضاع الاجتماعية أصحبت من الخطورة بمكان بأن "عود كبريت" قادر على إشعال البلد كله، وعندها لن تجدي لا الحلول الأمنية ولا العساكر ولا الحلول الترقيعية.