31 أكتوبر 2025
تسجيلما إن بدأ سريان الهدنة الإنسانية التي أعلنتها قوات التحالف مساء الثلاثاء 12 مايو الجاري حتى سارعت ميليشيات الحوثي والرئيس اليمني المخلوع إلى خرقها في الساعة الأولى، وأطلقت نيران الدبابات على أحياء في تعز والضالع ومواقع في مأرب ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى عدن، وأغلقت منفذ حرض وهو المنفذ الوحيد الآمن الذي يعبر منه اليمنيون إلى السعودية ودول أخرى بغرض الزيارة والعلاج والالتحاق بأعمالهم أو جامعاتهم، هذه الهدنة أصبحت منتهى آمال 27 مليون يمني باتوا بلا أمن ولا غاز ولا ماء ولا كهرباء ولا مشتقات نفطية، وتعطلت أمامهم كل أسباب الحياة الكريمة، ورغم هذا الوضع الكارثي يرى مراقبوان أن الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح الذين وافقوا على الهدنة بشروطهم لا يمنكهم الالتزام بأي اتفاق، ذلك أنهم يرون في استمرار القصف الجوي انتصارا، لأنه يوسع دائرة البؤس والمعاناة والفقر في أوساط الناس وبالتالي يحققون هدفين: الأول تجنيد أكبر عدد من البؤساء ومن يستطيعون إقناعهم بأن قوات التحالف والسعودية على وجه الخصوص هي السبب في الدمار والخراب، أما إيران فهي دولة تقف مع الحق وتنافح عن أصحاب "المسيرة القرآنية الحوثية". ثانيا : إطالة أمد الحرب والقصف الجوي تجعل المجتمع الدولي والكثير من الدول تراجع مواقفها استجابة لضغوط أخلاقية وإعلامية وربما يراهنون على انسحاب بعض دول التحالف كما فعلت باكستان أو عدم إقدام دول أخرى على الانضمام.استبق علي صالح إعلان الهدنة بأربع وعشرين ساعة ليعلن أمام الملأ تحالفه مع الحوثيين للدفاع عن ما وصفها بمقدرات البلاد في مؤشر خطير على إطالة أمد الحرب وعدم التراجع، وقد وجه كل المسؤولين في الأحياء والمدن وأجهزة الاستخبارات التي صنعها لأغراض غير وطنية إلى ضرورة مراقبة وملاحقة كل من وصفهم بالجواسيس والخونة الذين يتعاونون مع المقاومة الشعبية وقوات التحالف، وذلك ما تم البدء فيه فعلا، الأمر الذي يكشف عن استعداد مبيت للحرب ضد اليمنيين وضد قناعاتهم ليتعمق منطق من ليس معي فهو ضدي ويجب تسهيل طريق ذهابه إلى الإخفاء القسري أو الموت. كما أن مدنا بعينها كانت هدفا للتدمير وعلى الأخص منها مدينة تعز التي كانت سببا في إسقاط نظام الرئيس المخلوع بحكم مدنيتها وارتفاع مستوى وعي أهلها الثقافي والسياسي الذي يدفعهم دائما إلى التمرد على الاستبداد والسياسات الظالمة للحكام.تستعد أكثر من ثلاثين سفينة لإفراغ مساعداتها من المواد الغذائية والطبية والمحروقات بينما تقول مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين إنها ستقيم جسراً جوياً كبيراً يبدأ بثلاث طائرات تنقل 300 طن من المساعدات لمئات الآلاف الذين يواجهون صعوبة في تأمين احتياجاتهم الأساسية، وهناك دول أخرى سترسل طائرات محملة بالمساعدات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي يتحكم في دخول هذه المساعدات؟ وكيف سيتم توزيعها؟ المعلوم أن أغلب المنافذ البحرية والبرية تسيطر عليها ميليشيات الحوثي وصالح ولذلك فإنها قد تكون مناسبة لدعم ما يوصف بالمجهود الحربي وتعزيز جبهات القتال بالغذاء والمحروقات ضد من يصفونهم بــ "الدواعش"، وهنا تصبح الإغاثة الإنسانية غير ذات جدوى، لذلك تتعالى مطالبات بأن تشرف منظمات الأمم المتحدة على جهود الإغاثة الإنسانية لكي تصل المساعدات للمتضررين من المدنيين الذين يتهددهم الموت جوعا. يترافق مع سريان الهدنة الهشة وصول الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي الجديد إلى صنعاء لحث الأطراف اليمنية المتنازعة على التوصل لاتفاق سياسي ينهي المعارك الداخلية والقصف الجوي الذي تشنه قوات التحالف منذ ستة أسابيع، وفي أجندة ولد الشيخ أهداف جديدة ومكان جديد للتفاوض هو جنيف، وربما تسير الأزمة اليمنية على الخط نفسه الذي سارات عليه الأزمة السورية حيث يتوقع أن تشهد جنيف واحد وجنيف اثنين وربما جنيف أربعة، لأن معضلة اليمنيين ليس الحوار بل التطبيق، فقد تحاوروا وتفاوضوا بما فيه الكفاية، وقد وصلت حواراتهم إلى اتفاق شهده العالم ووقعت عليه الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والمبعوث الأممي السابق سيئ الذكر جمال بن عمر الذي قاد بعد ذلك حوارات عبثية تحت فوهات بنادق جماعة مسلحة تنكرت لكل الاتفاقيات الموقعة، وهنا ينظر اليمنيون إلى أي حوارات جديدة على أنها نوع من العبث وإطالة أمد الأزمة، لأن المطلوب الآن هو توحد الإرادة الدولية لتطبيق قرارات مجلس الأمن ضد معرقلي التسوية السياسية، وإجبار الحوثيين وحلفائهم على تنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي تحقق مطالب الشعب اليمني في العيش بسلام وكرامة، أما السير في طريق المغالطات الدبلوماسية دون تحديد الطرف المسؤول عن الأزمات فإن جهود المنظمة الدولية ستكون نوعا من صب المزيد من الزيت على نار هي الآن تحرق الأخضر واليابس.