31 أكتوبر 2025

تسجيل

الإسراء والمعراج (1)

14 مايو 2015

إن الحق سبحانه وتعالى هو الذي اصطفى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم واختاره من بين الناس ليكون بشيرا ونذيرا بقدرة الخالق سبحانه وإرادته وعلمه وحكمته، فزكاه بقوله وإنك لعلى خلق عظيم لذلك رأى صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ورأى العناية الإلهية به وبدعوته، مما زاده يقينا بنجاح دعوته وتبليغ رسالة ربه وانتصاره على أعدائه، فلقد أوجد الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه تحت الإشراف الإلهي المباشر حتى يكون أسوة وقدوة للمجتمع الإيماني، ولذا قال له ربه ما ودعك ربك وما قلى ويعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هديه صلى الله عليه وسلم إن هو إلا وحي يوحى، لذلك لم تفارقه العناية الإلهية لأن الخالق هو الذي يعصمه من الناس فأطلعه الله سبحانه وتعالى على ملكوته العظيم فامتلأ قلب النبي صلى الله عليه وسلم بالنور، وامتلأت نفسه بالرضا وانشرح صدره صلى الله عليه وسلم ، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى لنا في أيام دهرنا نفحات وأمرنا بالتعرض لها لعل أحدنا تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، فكان مسراه معجزة وآية من آيات الله الكبرى وكانت بلاءً وتمحيصا ليزداد المؤمن إيمانا، وأمر من الله بقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، فأسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه كيف شاء ليريه من آيات ربه الكبرى، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد.فالإسراء كان مسيرا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس في جزء من الليل ثم رجوعه بنفس الليل، أما المعراج هو الصعود به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات السبع وما فوق السبع ، حيث فرضت الصلوات الخمس ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل، أما الطريقة التي تم بها الإسراء والمعراج فهذه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم عندما ركب البراق بصحبة جبريل عليه السلام من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ، فنزل هناك وصلى إماما بالأنبياء وربط البراق بحلقة في باب المسجد ،ثم أوتي إليه بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام: هديت وهديت أمتك يا محمد ، وقصة الإسراء ثابتة في القرآن الكريم ، فقد قال الله تعالى في سورة الإسراء :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء1، ولقد أشير إلى المعراج في سورة النجم في قوله تعالى : ( ولقد رآه نزلة أخرى .عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) النجم : 13-18 ،واتفق العلماء سلفا وخلفا على أن الإسراء والمعراج كانتا في ليلة واحدة ، وأنهما كانتا في اليقظة بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك الأحاديث الصحيحة المشهورة المتواترة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.فلقد كانتا ترويحا للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أحداث جمة أثقلت كاهله فبعد كل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الهوان والأذى والجفاء في الطائف، ومن قبل حزنه لفراق عمه أبي طالب وزوجه السيدة خديجة رضي الله عنها، فكان الترويح عن النفس المحمدية بالإسراء به وعروجه إلى السموات العلى ، فأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرم المكي إلى الحرم الإبراهيمي، ومنه إلى ما شاء الله من القرب والدنو والسير في السماوات ومشاهدة الآيات والاجتماع بالأنبياء فكانت ضيافة كريمة من الله سبحانه وتعالى وتسلية وجبر للخاطر وتعويضا عن كل مالقيه صلى الله عليه وسلم من الشدائد والمحن والتكذيب، ففي هذه الفترة من المآسي والأحزان وصدود القوم عن الإيمان ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق وبعد هذه الشدائد المتلاحقة، التي أثقلت كاهل النبي صلى الله عليه وسلم عندما فقد السيدة خديجة رضي الله عنها كما فقد عمه أبو طالب الذي كان يمثل ساعد النبي صلى الله عليه وسلم فسمى هذا العام بعام الحزن، فكان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أن يخفف عن نفسه الجريحة وفؤاده المحزون فكان الإسراء والمعراج.