19 سبتمبر 2025
تسجيلبروفسير في جامعة أكسفورد اسمه أندور ويلكي، له إنجازات معترف بها عالميا في مجال أمراض الدم، وأقام الدنيا وأقعدها، عندما رفض طلبا من طالب مبتعث من جامعة تل أبيب، اسمه أميت دوفاشاني، كان يريد التحضير للدكتوراه تحت إشرافه، رد ويلكي على الطلب بكل وضوح: لا أستطيع أن أقبل بك ضمن طلابي، لأنه سبق لك أداء الخدمة العسكرية، والإسرائيليون استثمروا معاناتهم خلال المحرقة النازية، ويواصلون البكاء على ضحاياهم، بينما ينتهكون حقوق الفلسطينيين بصورة فظة، فقط لأنهم - أي الفلسطينيين- يريدون العيش في وطنهم، وقد تكون أنت بالذات شخصا طيبا، ولكن ضميري لا يسمح لي بالتعامل معك، لكونك خضعت للتجنيد الإجباري في إسرائيل. وقامت قيامة صحف اليمين البريطاني، ونهشت لحم ويلكي متهمة إياه بمعاداة السامية والعنصرية، (جاءتني ذات مرة رسالة باللغة العربية المكسرة، كان من الواضح من اسم من أرسلها أنه يهودي، تتهمني بمعاداة السامية، لأنني كتبت مرارا في مقالاتي عن كوني نوبيا/ حاميا، فأرسلت إليه ردا أقول فيه: يا ابن قراد الكلب، العرب ساميون مثلكم ومع هذا فأنتم تلطمون الخدود – اليهود لا يشقون الجيوب! بزعم أنهم يعادون السامية. ضغطت جامعة أوكسفورد على ويلكي كي يقبل الطالب الإسرائيلي، ولكنه اختار تقديم استقالته على القيام بأمر لا يرضاه ضميره، هنا وقعت الجامعة في حيص بيص، وتكتكت لتجد مخرجا من الورطة، ثم قالت: فلتضرب إسرائيل رأسها بالحائط، أو تشرب من البحر الأبيض، أو الميت، وقررت اعتبار فترة استقالته "توقيفا"، إداريا وأعادته إلى وظيفته واضطر الطالب الإسرائيلي للبحث عن جامعة أخرى تؤويه. هذه الحكاية مهداة إلى من يعتبرون كل إنسان أبيض عدوا للعرب والإسلام، متناسين أن أقوى الحركات المعارضة لغزو أمريكا للعراق، كانت تنطلق وتزداد عنفوانا يوما بعد يوم في أوروبا وأمريكا، حتى فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية واضطر لسحب قوات بلاده من هناك، وأن موقف النقابات المهنية والعمالية في الدول الغربية الرافض لسياسات إسرائيل في وقتنا الراهن، أقوى من موقف منظمة التحرير، التي أعلنتها " ثورة حتى النصر"، ونجحت في إقامة دولتي حماسستان ومازنستان، بل إن نقابة أساتذة الجامعات في بريطانيا ما زالت تقاطع الجامعات الإسرائيلية مقاطعة ناجزة كاملة، بينما نحن لا نستطيع أن نمارس كراهيتنا لما تقوم به إسرائيل وأمريكا إلا بطريقة العادة السرية، اي عبر واتساب أو البريد الإلكتروني، أو في ما بيننا، وفي جلسات الأنس، فكل كلمة سوء بحق أمريكا تعود عليك بشبهة الإرهاب، وكل كلمة ناقدة لإسرائيل تجعلك عدوا للسامية، مع أن حكومات إسرائيل هي العدو الأكبر للسامية. ستيفن هوكينغ عالم الفيزياء الذي رحل عن الدنيا الشهر الماضي، بعد قضاء ستين سنة على كرسي مدولب، وهو عاجز عن النطق والحركة، ولكنه ظل يؤلف ويقدم المحاضرات، حتى صار أبرز علماء القرن العشرين، وجانب من القرن الحادي والعشرين، كان في طليعة أساتذة الجامعات البريطانية الذين قاطعوا المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية كليّا، لأنها وعلى حد تعبيره مرتبطة بدولة استعمارية ظالمة لأصحاب الأرض الحقيقيين. ولكن حكومات أوروبا الغربية تعتبر إنكار المحرقة اليهودية، على أيدي نازيي ألمانيا جريمة تقود إلى السجن، ولكن يا ويلك إذا تكلمت عن المجازر التي يروح ضحيتها الفلسطينيون، لأنها في نظرهم لا تستوجب الاستنكار، بل مجرد الدعوة لـ"ضبط النفس". ودعوني أختم مقالي بسؤال يحيرني: لماذا دعت السلطة الفلسطينية الى إضراب عام احتجاجا على مجازر غزة الأخيرة؟ من الذي سيتضرر من الإضراب؟ أكيد سيتضرر الفلسطينيون وحدهم لتوقف أعمالهم ومدارسهم. أم يا ترى تعتقد السلطة أن الإضراب بحكم أنه مشتق من "الضرب" سيؤلم إسرائيل بدرجة لا يعلم بها سواها؟