12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإكوادور.. والبحث عن العرب (2)

14 أبريل 2016

ما إن خرج رافائيل كوريا من وزارة المالية غاضبا من حجم الفساد المستشري وشراسة شركات النهب حتى التف حوله عدد كبير من الشباب والمثقفين والناس العاديين، فقرر أن يترشح للانتخابات الرئاسية ليحصل على 53% من الأصوات في واحدة من المفاجآت الصادمة لأنه لم يكن مدرجا في الحسابات الفائزة أصلا، واستطاع أن يفوز مرة أخرى عام 2009 بعد تغيير الدستور ثم فاز مرة ثالثة عام 2013 وبنسبة 58%، بل وانتزع فوزا برلمانيا غاليا بفوز 100 نائب من حزبه من أصل 129 بعد أن كسب الانتخابات من الجولة الأولى.اختار الأستاذ الجامعي رافائيل كوريا الذي تحول رئيسا ما يطلق عليه "اليسار العقلاني" القائم على الواقعية السياسية، فهو يعرف أن وجود جار غير مريح في الشمال "أمريكا" سيسبب له ولبلاده الكثير من الإزعاج، بل ربما أكثر من ذلك، رغم أنه كان واحدا من الموجة اليسارية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية، لكن أمريكا لا تعدم الوسائل من أجل خلخلة الاستقرار فيما تطلق عليه الماكينة الإعلامية الأمريكية "دول الموز"، في إشارة إلى دول أمريكا اللاتينية، القابعة في فنائها الخلفي، وعمل الرئيس كوريا على اعتماد ما يسمى"اشتراكية القرن الحادي والعشرين" وذلك بخلق حالة من التوازن بين القطاعين العام والخاص، مع التصدي بقوة لتيار "النيوليبرالية" الذي يروج للرأسمالية المتوحشة المدعومة من الشركات العابرة للقارات. وبدأ عملية انفتاح داخلية وخارجية بما في ذلك على العالم العربي الذي تحول إلى بند مهم على أجندة الرئيس "كوريا".منذ انتخابه في 2007 عمل الرئيس كوريا على قلب الأمور رأسا على عقب، وحاول تعبئة الموارد من أجل انتشال البلد من الفقر الذي كان يعصف بأكثر من ثلث السكان، ونجحت السياسات التي طبقها والإجراءات الاقتصادية التي اعتمدها إلى النزول بنسبة الفقراء من 37% إلى 25%، وانخفضت نسب الفقر المدقع للناس الذي لا يملكون شيئا من 19% إلى 8%، وهو إنجاز كبير ولكنه لا يزال دون الهدف المطلوب بالوصول إلى "صفر" فقراء في الإكوادور، ولكن التركة التي ورثها الرئيس كوريا كانت ثقيلة للغاية، فقد كان الفساد والنهب واختلال الموازين الاقتصادية تخنق الغالبية العظمى من الشعب، ولم يكن من الممكن التغلب على ذلك، مع وجود الشركات الكبرى واللوبيات المختلفة التي تمول صحافة لا تنقطع عن مهاجمة أي خطط إصلاحية أو مبادرات لتوزيع عادل للثروة.لم يكن أمام الرئيس كوريا من وسيلة لتطبيق إصلاحاته السياسية والاقتصادية إلا التصدي ل"كارتيل الشركات الكبرى" خاصة العاملة في مجال إنتاج النفط، ووضع هذه الشركات أمام الأمر الواقع، أما تغيير المعادلة أو الخروج من السوق الإكوادورية، فاشتدت الحملة ضده لكنه تسلح بالشعب الذي يدعمه، لكن الشركات النفطية الغربية استسلمت في النهاية، وعدلت مسارها، وبهذا حصل الشعب الإكوادوري على 80% من عوائد النفط، مقارنة بـ 20% قبل ذلك. وقد استخدمت الأموال النفطية من أجل إخراج مليون مواطن اكوادوري من الفقر، وخلق فرص عمل كثيرة أدت إلى انخفاض نسبة البطالة في الإكوادور إلى 4.1% التي تعتبر من أقل النسب في العالم. لعب الرئيس رافائيل كوريا اللعبة على أصولها فقد كان يعرف تماما أن الحل يبدأ في الاقتصاد قبل السياسة، وأن تطبيق خطط التطوير الاجتماعية تحتاج إلى أموال، وأن النجاح السياسي يبدأ من جيوب المواطنين وأمعائهم وليس من الوعود الكاذبة. ولأنه اجاد اللعب في دهاليز الاقتصاد فقد كسب في السياسة والشارع.. كسبا سياسيا واجتماعيا بسبب نجاحاته الاقتصادية.