11 سبتمبر 2025
تسجيلفي السابع والعشرين من يناير المنصرم استمع الشعب السوداني إلى خطاب الرئيس البشير الذي طال انتظار الشعب السوداني له، وقادة النظام وإعلامه يتناوبون الحديث عن الخطاب الموعود وعن وثبة سياسية كبيرة يتضمنها، تنحو باتجاه تحول ديمقراطي ينقل السودان إلى واقع جديد بعيدا عن واقعه المأزوم الحالي، الذي تجذرت فيه الخلافات السياسية، وتعمق فيه الاستقطاب بصورة جعلت التراضي الوطني حول قضايا البلاد المعقدة أمرا غير قابل للتحقيق. وكان الشعب ينتظر أن يسمع من الرئيس البشير تفاصيل ما ظل قادة النظام يبشرون به على مدى شهور، من أن الرئيس يحتفظ بمفاجأة كبيرة لشعبه في شكل (وثبة) سياسية شجاعة تجترحها حكومته تدشن بها عهدا جديدا في البلاد يكون ديدنه تحولا ديمقراطيا كامل، يترك وراءه حقبة القبضة الأمنية التي سارت عليها الدولة السودانية على مدى ربع قرن من الزمن هي الفترة التي قضاها الرئيس البشير في السلطة. الحديث المتكرر عن الوثبة السياسية الفارقة القادمة رفع سقوف التوقعات وسط جمهور الشعب السوداني المنتظر. في اليوم الموعود تكدس الشعب السوداني أمام شاشات التلفزة الفضائية في ليلة السابع والعشرين من يناير المنصرم لكي يسمع تفاصيل البشارات الرئاسية التي طال انتظارها. فكان أن خاب أمل الجماهير السودانية العاشقة للممارسة الديمقراطية بطبيعتها وسجيتها المنطلقة. فقد جاء الخطاب الرئاسي مخيبا لآمالها. وبعيدا كل البعد عما كان يجيش في قلوبها التي في الصدور. الشخص الذي تولى إعداد الخطاب الرئاسي في تلك الليلة كان بعيدا عن إحساس الجماهير السودانية وتوقعاتها. مصداق ذلك أنه حشد الخطاب الرئاسي بمفردات فلسفية وثقافية ونظرية لا تدرك الغالبية من تلك الجماهير معناها. وترك جانبا هموم المواطن السوداني الآنية. في ليلة السادس من أبريل الحالي، عاد الرئيس البشير إلى مخاطبة شعبه مجددا من خلال ما سمى بـ (مؤتمر الحوار الوطني) دعا فيه الرئيس قادة الأحزاب السودانية للاجتماع والتفاكر حول الأوضاع السودانية المتردية على جميع الصعد. ولكن في هذه المرة كانت الاستجابة للدعوة هي المخيبة للآمال. فقد رفض تجمع (قوى الاجماع الوطني) وهو الجسم المعارض الأكبر، رفض تلبية دعوة الرئيس بحجة أن الحكومة لم تستجب لمطالب المعارضة التي تضمنت إلغاء القوانين الأمنية المقيدة للحريات التي كفلتها مواد دستور عام 2005 المنبثق عن اتفاقية السلام السودانية. كما تضمنت مطالب المعارضة إصدار عفو عام وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتحقيق في قضايا قتل المتظاهرين، والتعديات على حقوق الإنسان التي كفلتها القوانين المحلية والدولية. كذلك رفضت تلبية الدعوة القوى الحاملة للسلاح والتي تحارب القوات الحكومية بشراسة في أقاليم دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وتحتل أراضي واسعة تعتبرها أراضي محررة من نفوذ السلطة المركزية. لقد حضرت المؤتمر المذكور أحزاب صغيرة صنعتها الحكومة في ربع القرن الماضي أثناء حربها الطويلة ضد الأحزاب التاريخية الكبيرة. وكان الشيخ الترابي قد أطلق وصف أحزاب (الزينة) على هذه الأحزاب الديكورية في سخرية قاطعة أثناء نزاعه المشهور حول السلطة مع الرئيس البشير. مجريات مؤتمر الحوار السوداني الذي انعقد في السادس من أبريل الجاري تقول إن طريق السلام في السودان ما زال طويلا وشاقا!