12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأزمة وتصاعد الضرائب

14 أبريل 2013

عندما نوهنا في مقالة الأسبوع الماضي إلى أن الضرائب على الدخل وعائدات الاستثمارات في أوروبا والولايات المتحدة قد تصل إلى 80% من الأرباح السنوية ربما اعتبر ذلك نوعا من المبالغة، إلا أن الإجابة جاءت سريعا من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل أيام قليلة، إذ أشار إلى أن الضرائب على الدخل يمكن أن تصل إلى 70% للمبالغ التي تتجاوز مليون يورو مضيفا أن هناك تشريعا سيعرض على البرلمان لإقراره في هذا الشأن. لقد بني التصور السابق الخاص بالتوقعات الضريبية على العديد من المؤشرات، وبالأخص إجراءات الاتحاد الأوروبي الخاصة بقبرص، حيث فتح ذلك المجال أمام كافة الاحتمالات لإنقاذ منطقة اليورو من الانهيار، إذ سيكون لهذه الإجراءات عواقب وخيمة على أكثر من صعيد، مما يتطلب إعادة التقييمات الخاصة بالاستثمار. ورغم بعض المؤشرات الإيجابية التي منعت الانهيار في منطقة اليورو، فإن رؤوس الأموال والمستثمرين بدأوا في البحث عن بدائل، حيث يعتبر المليونير والمخرج والممثل الفرنسي "جيرارد ديبارديو" الذي هدد بالتخلي عن جنسيته الفرنسية ورحل أمواله إلى الخارج احتجاجا على نظام الضرائب الجديد والذي اعتبرها ديبارديو ضريبة تعسفية أقرب مثال على ذلك، علما بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن منحه الجنسية الروسية، مما يعني أن هروب رؤوس الأموال سيكون له نتائج سلبية كبيرة على النمو وتوفير الوظائف. لذلك تبين استطلاعات الرأي أن 68% من الفرنسيين غير مقتنعين بسياسات هولاند الاقتصادية، كما أن شعبيته هبطت إلى أدنى مستوياتها منذ انتخابه العام الماضي، في الوقت الذي تعصف بحكومته فضائح الفساد والتهرب الضريبي، كما حدث من وزير المالية السابق. تبقى بريطانيا العظمى التي تعمل من خارج منطقة اليورو وتطرح نفسها بديلا للأسواق الأوروبية، على اعتبار أن الاستقطاعات لا تطال حتى الآن المستثمرين وقطاع الأعمال، وإنما اتجهت نحو الاستقطاعات العامة لدعم الميزانية والوضع المالي للدولة بشكل عام، إذ اتجهت حكومة المحافظين إلى مجموعة من تخفيضات الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والمتوقع أن تسري الشهر الجاري، في حين فرضت ضرائب على بعض خدمات الرعاية الاجتماعية. والحقيقة أنه من غير المعروف إلى أي مدى ستتمكن الحكومة البريطانية من تجنب فرض ضرائب كبرى على عائدات الاستثمارات، فالمؤشرات الخاصة بالاقتصاد البريطاني لا تسر، فمنذ انتحاب حكومة كاميرون في عام 2010 وتطبيق إجراءاته الاقتصادية واجه الاقتصاد البريطاني جولتين من الركود، في حين مازال النمو ضعيفا وتشير التوقعات إلى إمكانية تحقيق نسبة نمو متواضعة تبلغ 0.6% فقط في العام الجاري 2013. الجديد في التطورات الجارية والإجراءات الخاصة بالضرائب العالية أنها تتم في ظل اتحادات وتكتلات اقتصادية قوية وضمن مجموعة كبيرة من الدول، كما هو الحال في منطقة اليورو وليس على مستوى كل دولة على حدة كما هو في السابق، من هنا تأتي قوة وتأثيرات الإجراءات الضريبية المستحدثة. والحال، فإن الأمر لن يتوقف على مسألة فرض الضرائب على الدخل المرتفع والاستحواذ غير المباشر على الأصول في ظل التكتلات الاقتصادية الدولية، وإنما سيشمل ذلك مجالات أخرى عديدة، بما في ذلك تعزيز القدرات التنافسية لأعضاء التكتل وتحقيق المكاسب الاقتصادية والتجارية من خلال التفاوض الجماعي وزيادة التبادل التجاري البيني وتكامل الكتل والمجموعات الاقتصادية. ويعني ذلك باختصار شديد أن عصر العمل المنفرد لكل دولة قد مضى، إذ لا يمكن مواجهة الإجراءات الجديدة والمنافسة الشرسة في العلاقات الدولية دون عمل جماعي وضمن مجموعة اقتصادية تتمتع بالقوة والبعد الاستراتيجي ومقومات النجاح اللازمة للمنافسة في عصر العولمة والتحديات المستجدة.