12 سبتمبر 2025

تسجيل

دبلوماسية الصبر القطرية

14 أبريل 2013

يظل سلاح الدبلوماسية أحد أهم وأبرز أسلحة العمل السياسي الرصين الذي اتسمت به دولة قطر واستطاعت من خلاله تحقيق نجاحات استثنائية في كثير من الملفات العربية والدولية، ولعلّي مثل كثيرين يرفعون القبعات لنجاح الدبلوماسية القطرية في حل كثير من الأزمات وفك تشابكها في وقت أخفقت فيه دبلوماسيات أكثر عراقة في الفضاء الدبلوماسي، فلماذا فشلت فيما نجحت قطر رغم صغر مساحتها الجغرافية وحداثة عهدها بالمعالجات الدولية. القيادة القطرية استطاعت بحكمتها أن تخترق الملفات المعقدة بما حظيت به من احترام مستحق نتيجة لسلوكها السياسي المتوازن ووقوفها على مسافة واحدة من أطراف المعادلات السياسية ذات الصلة بالأزمات، وإلى جانب ذلك فإنها تعمل بمبدأ الشفافية واختصار الطرق إيمانا بأن أقصر مسافة بين نقطتين هي الطريق المستقيم، ولذلك فإنها لا تمارس حيلا أو تحتفظ بخطوط رجعة لأعمال هي في الأصل ليست صحيحة، فقيادة قطر واضحة في تقديم رؤيتها ومعالجتها للقضايا وتضعها أمام الأطراف بنزاهة وبالتالي يضيق الخيار لمن يرغب في العبث والتحايل على الحلول. والسمة الأكثر وضوحا في دبلوماسية قطر الناجحة هي الصبر، فهي لا تستعجل حل أزمة عمرها سنوات في جلسة مباحثات أو مفاوضات واحدة، وذلك يعني تلقائيا واقعية الدبلوماسية وصدقها، وبالتالي ليس أمام الأطراف إذا كانوا يرغبون في حل إلا التسليم برؤية واقعية تستهدف الحصول على نتائج إيجابية متوازنة ومنطقية، والقياس في ذلك على مفاوضات سلام دارفور، تلك المنطقة السودانية التي شغلت العالم طوال عشرة أعوام وترتبت عليها تعقيدات على الأرض وفي الحراك السياسي حولها وبشأنها بما يجعل الحلول صعبة وتبدو مستحيلة. لم تنجح المنظمات الإقليمية والدولية والأمم المتحدة في تحقيق أي مقاربة مهمة على صعيد هذه المشكلة منذ تفجرها وما صاحبها من عنف وضحايا وتداعيات سلبية على الواقع السياسي والاقتصادي للسودان، ولكن قطر بدبلوماسية الصبر والحكمة نجحت في إطلاق وثيقة الدوحة للسلام وجعلتها مرجعا لأي عمل تصالحي في الإقليم والسودان، وأبقتها مفتوحة لاستيعاب أي بقايا للمتمردين يرغبون في الانضمام للسودان، واستغرق ذلك وقتا طويلا يتناسب مع تعقيدات الأزمة وتطوراتها السلبية، وذلك يعتبر أحد أرقى أشكال الدبلوماسية التي أصبحت نموذجا للإخلاص وصدق النية والرغبة الجادة في حل المشكلات وليس تحقيق انتصارات دبلوماسية على منابر الإعلام.