15 سبتمبر 2025
تسجيلأعلنت مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية البارزة في الأسبوع الأول من شهر إبريل الجاري، عن مبادرة خاصة بعملية السلام مع العالم العربي، ترتكز على المبادئ الأساسية التي قامت عليها مبادرة السلام العربية التي تم إقرارها رسميا في القمة العربية ببيروت العام 2002. ورغم أن المبادرة كانت في حد ذاتها مفاجأة من العيار الثقيل .. لكن المفاجأة الأكبر كانت في الشخصيات التي طرحتها والتي تمثل قمة النظام الأمني والسياسي الإسرائيلي السابق .. والذي يرتبط بالتأكيد بعلاقات قوية مع قمة النظام الحالي .. أي أن المبادرة أخذت الضوء الأخضر قبل الإعلان عنها. قبل شهور قليلة كان من المستحيل توقع مجرد الإعلان عن أية مبادرات إسرائيلية، حتى لو كانت تتضمن لا ترقي إلى تلك التي تم الإعلان عنها لجهة الحقوق الفلسطينية سواء ما يتعلق بالدولة الفلسطينية التي ستكون على حدود الرابع من يونيو من العام 1967 أو بالقدس الشرقية التي ستكون عاصمة تلك الدولة الوليدة أو ما يتعلق بمسألة اللاجئين وغيرها من مسائل الحقوق الفلسطينية .. لكن وقع المستحيل وتم الإعلان عن المبادرة !! وهذا المستحيل لم يقع من تلقاء نفسه بل وقع لأن مستحيلا أكبر منه سبقه في الوقوع وهو اندلاع الثورة العربية على هيئة ثورات قطرية في الجزء الأكبر من الدول العربية .. والتي نجحت في الإطاحة باثنين من أهم رموز الفساد والاستبداد في العالم العربي، وهما الرئيس التونسي بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. وهناك ثلاثة رؤساء آخرين ينتظرون الإطاحة بهم، وهم اليمني على عبد الله صالح والسوري بشار الأسد والليبي معمر القذافي، فضلا عن بذور الثورة التي نمت في البحرين والأردن والجزائر والمغرب ولبنان والعراق. هذا المستحيل العربي أحدث تغييرات عميقة في بنية الواقع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، عجلت بظهور المستحيل الإسرائيلي الذي تمثل في تلك المبادرة التي تم الإعلان عنها .. من أجل إيقاف تأثير تلك التداعيات على ملف الصراع العربي الإسرائيلي عبر وضع أطر سياسية وقانونية استباقية تمكن إسرائيل من الحفاظ على الحد الأدنى من سيطرتها على ذلك الملف. وهذا ما عبر عنه رئيس جهاز الموساد الأسبق، الجنرال داني ياتوم، الذي كان قد دعا الحكومة الإسرائيليّة إلى طرح مبادرة سياسية فورا، لأنَّ البديل لها سيتمثل بمواجهة إسرائيل لأخطار كثيرة، بما فيها احتمال وصول أنظمة معادية لها للسلطة في بعض البلدان العربية. وعدد ياتوم خمسة تحديات أمنية مركزية تقف أمام الدولة العبريّة، يأتي بمقدمتها خطر نشوب حرب شاملة نتيجة تدهور الوضع مع حزب الله من جهة أو مع سورية من جهة أخرى. أما التحدي الثاني فيتمثل في نجاح إيران بامتلاك قنبلة نووية، مما سيشكل تهديدا جديا لإسرائيل، إلى جانب التحدي الثالث المتمثل في الإرهاب، وصولا إلى تحد رابع يتجسد في تنظيم القاعدة، الذي يواصل تمكين جذوره في الشرق الأوسط، وينسق مع التنظيمات المعادية لإسرائيل. واختتم ياتوم تحذيره بالقول: التهديد الأخير الذي تواجهه إسرائيل هو احتمال وصول أنظمة معادية لها إلى السلطة، لتحل محل الأنظمة التي سقطت في مصر وبعض الدول الأخرى، ما يعني أنه في غياب مبادرة سياسية إسرائيلية فسيعطي ذلك الفرصة للدول والمنظمات المعادية لمواصلة نشاطاتها ضد إسرائيل، معتبرا أن المبادرة السياسية من شأنها التأثير على الجمهور في الدول العربية لدفعه لاختيار مرشحين وصفهم بمعتدلين، يعتبرون السلام مع إسرائيل مصلحة لبلدانهم. ويبدوا من كلام ياتوم أن القيادة الإسرائيلية تحاول التأقلم مع الواقع الجديد عبر التركيز على الشعوب العربية بعد أن تيقنت أنها أصبحت صاحبة السلطة الحقيقية في مجتمعاتها .. بعد أن أسقطت أنظمتها المستبدة التي كانت تعد خير عون لإسرائيل .. حتى أن أحدها وهو نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك كان بمثابة كنز إسرائيلي وفقا لتصريحات كبار مسئوليها. فضلا عن ذلك، تحاول إسرائيل قطع الطريق على عملية التحالف المستقبلية بين إيران والدول العربية، باعتبارها نتيجة حتمية بعد نجاح الثورة العربية، والتي بدأت أولى مؤشراتها في عملية التقارب المصري الإيراني بعد تصريحات الحكومة المصرية الجديدة التي ترى في إيران دولة صديقة وليست عدوة وأنها تسعى لفتح صفحة جديدة معها تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل لمصالح الدولتين. هذا التقارب مع إيران ستكون نتيجته وخيمة على مستقبل وجود إسرائيل ذاتها، بجانب تأثير الثورة العربية المباشر على مقومات هذا الوجود، لذا نرى ياتوم يدعو إلى استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين باعتبار أن ذلك يتعارض مع مصالح إيران والدول والمنظمات المتحالفة معها، مؤكدا أن "من شأن مبادرة السلام المرجوة إضعاف أعداء إسرائيل"، والإضرار بالمحور الإيراني في المنطقة. بغض النظر عن الرؤية الإسرائيلية التي طرحت هذه المبادرة في محاولة منها لتحسين شروط التفاوض المستقبلية في ظل أنظمة الثورة العربية، فإنه يمكن القول بلا تردد أن هذه الثورة العربية استطاعت أن تنجز هدفا قوميا كبيرا وهي لا تزال طورا جنينيا لمّا يصل بعد إلى مرحلة البناء والفعل المباشر .. يتمثل في إجبار إسرائيل على الموافقة على الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو1967 .. وهو ما يعني أنه بعد نجاح الثورة وبناء أنظمتها الديمقراطية المرتقبة تمهيدا لتوفير المبادئ الأساسية لحلم الوحدة العربية .. ستكون الدول العربية .. أو ربما الولايات العربية المتحدة جاهزة لانجاز هدفها القومي الأكبر وهو القضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر. هو حلم ليس ببعيد .. فنحن نعيش في عصر تحقيق الأحلام .. فمن كان يظن قبل أشهر قليلة أن المنطقة العربية سوف تشهد كل ما تشهده الآن.