15 سبتمبر 2025

تسجيل

بئس أخو العشيرة

14 مارس 2019

لقد وضع الإسلام ضوابط في التواصل بين المسلم وأخيه المسلم تضمن لكل منهما خصوصيَّته وحقَّه على أخيه، ولا شك أن الأخوة في الدين أقوى الروابط في الإسلام، ثم تليها أخوة النسب والعشيرة، ثم تليها روابط المصاهرة. ولكل هذه الروابط حقوق وواجبات يجب على كل مسلم الحفاظ عليها وتقويتها في كل وقت وحين، وكلما كانت القرابة أشد كانت حقوقها مؤكدة؛ لذلك شدَّد الله تعالى في روابط النسب والعشيرة، وحرَّم الخصومةَ والشحناء التي تؤدي إلى قطعها. لذلك إذا جاءت الإساءة من غريب كانت هيِّنَة، أما الإساءة والإيذاء من أخِ العشيرة فهي شديدة مؤلمة؛ وذلك لأن لُحمَة الدم والعشيرة قوية فلا ينبغي أن ينفكَّ المرء عن أصله. فكل إنسان هو فرع عن أصله، فإذا عاب الفرعُ أحدَ أقاربه أو تسبب في إيذائه فهو يعيب نفسَه أولًا قبل أي شخص، ويؤذي مَن هو قطعة منه، تجمعهم رحم وعشيرة واحدة، فبئس أخو العشيرة الذي يغتاب أخاه وقرابتَه، ويذمُّه أمام الغرباء، فهذا لا خير فيه. بئس أخو العشيرة الذي تصل به الغيرة من نجاحك أو تميزك إلى محاولة إيذائك بأي طريقة. بئس أخو العشيرة الذي يركز على مواقفك السلبية وأخطائك الصغيرة وينشرها ويحقق ويدقق في تفاصيلها، ولا يلتفت إلى الكثير من المواقف الطيبة المنصفة لك، ولا يذكرها، ولا ينشرها، فإذا رأى سيئة أذاعها، وإذا رأى الحسنات دفنها. والحق أن أخا العشيرة إذا رأى مساوئ أخيه داسها بقدمه، وإذا رأى محاسن أخيه رفعها علَمًا على رأسه؛ لأنه أخوه، وكل جميل فيه يُجمِّله، والقبيح منه قَدْح في العشيرة كلها. بئس أخو العشيرة الذي يترفَّق معه إخوانه ويتعاملون معه بحرص وتودُّد مداهنةً له، يتحاشون إغضابه اتقاءَ فُحشه وبذاءته، وهذا ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((أن رجلًا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: «بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة»، فلما جلس تطلَّق النبي في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله حين رأيتَ الرجلَ قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلَّقتَ في وجهه وانبسطتَ إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، متى عَهِدتِني فاحشًا؟ إنَّ شرَّ الناس عندَ الله منزلةً يوم القيامة مَنْ تركه الناس اتقاءَ شرِّه» وفي رواية: «اتقاء فُحْشِه». وهذه مداراة محمودة منه صلى الله عليه وسلم، والمدارة مع أهل الشر مشروعة، فالمُداري في الحقيقة لا ينطق بباطل، ولا يكذب، ولا يغش مَن يحادثه ويداريه، ولا يشاركه في سوء خلقه وعمله، ولا يُظهِر له موافقتَه على باطله، وإنما يسكت عنه في أحيان، ويجامله بالبشاشة والمعاملة الحسنة فقط، دون أدنى تنازلٍ أو غشٍّ أو سعيٍ في أذيةٍ، لعله يؤثِّر فيه بعد ذلك، ويستمع لنصحه، أو لعله يتقي شره ويجتنب أذيته، ولكن دون وقوع في أي مشاركةٍ في الإثم والعدوان. فيجب أن يتعلم المسلم من كتاب ربه وسُنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ما يجهل، فكل إنسان فاحش شُرع لك مداراته، ولا سيما إن كان من عشيرتك وقرابتك، ويجب على أخي العشيرة وابن العشيرة أن يحفظ لإخوانه حقَّهم، وأن يكون فرعًا يفخر به إخوانه، ولا يكون مِعوَلَ هدمٍ للناجحين من أقاربه. اللهم أصلح أحوالنا، وطهِّر قلوبنا، وأبعِدِ اللهم الشحناء والبغضاء من نفوسنا يا رب العالمين. [email protected]