11 سبتمبر 2025

تسجيل

«ثمن الكبرياء.. إسرائيل تدمر نفسها»!

14 فبراير 2024

«إسرائيل تدمر نفسها»، هذا ما يراه الصحفي الإسرائيلي بصحيفة «هآرتس» ألوف بِنْ في دراسة مطولة تنشرها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في عددها المقبل مارس/‏أبريل. يعتمد بنْ في دراسته على فكرة أساس هي أن إسرائيل لم تتعلم الدرس و«ستدفع ثمن غفلتها،،، وكبريائها». هو يقصد هنا درس السلام والتعايش وليس درس الحرب. اما ان إسرائيل لم تتعلم الدرس في شقه العسكري فحديث تكرر ربما عشرات المرات في السنوات الأخيرة تذكيراً بأخطائها في حروبها منذ 1973 وما بعدها. واما انها لم تتعلم الدرس في شقه السياسي فمعنى حديث قديم، تناوله كثيرون، منهم إسرائيليون، وخصوصا بعد عدوان 2014 على غزة. وقتها أجمعت شخصيات مثل جدعون ليفي المعلق السياسي في «هآرتس»، وزهافا غالؤون، رئيسة حركة «ميرتس»، أن إسرائيل ما زالت تؤمن بنظريتي «القوة المفرطة»، و«جز العشب»، وتدير ظهرها تماما لفكرة التسوية والتعايش. واعتبروا أن نظرية «ما لا يتأتى بالقوة يتأتى بالمزيد منها»، المبنية على الكبرياء والإجحاف، التي طبقتها إسرائيل في العقود الماضية، لم تُجدِ نفعا في كسر إرادة الفلسطينيين. وإذا كان هذا قد قيل قبل نحو عشر سنوات فإن ألوف بنْ يكرره اليوم مستفيضا في شرح أن الغفلة الإسرائيلية عن تعلم الدرس السياسي أقدم من ذلك بكثير. ينطلق بنْ في ذلك من حكاية يرويها عن وزير دفاعهم الأسبق موشيه دايان، مفادها أن دايان ورغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين، كان ينصح بوجوب تفهم دوافع الفلسطينيين، ويحذر من أن سياسة البطش لن تردعهم أبدا عن الأخذ بالثأر، وأنه يجب التعامل بالحكمة السياسية المناسبة للوصول إلى تسوية يتحقق بها التعايش طويل الأمد. ويخلص الكاتب إلى أن عواقب تجاهل تحذيرات دايان تحققت كأقسى ما يكون يوم 7 أكتوبر. ويضيف أنه مع استخدام القوة المفرطة مجددا، فإن الحكومة الإسرائيلية أثبتت مرة أخرى، غفلتها عن نصحية دايان، ومازالت تترفع عن قبول متطلبات منع وقوع هجوم آخر. ويرى بنْ أن السبب وراء ذلك كله هو «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الفاشل». ثم يشدد في أكثر من موضع على أنه حتى تعيش إسرائيل في سلام، فعليها أن تصحح أخطاء نتنياهو وتتصالح مع الفلسطينيين وألا تظل معصوبة العينين عن تلك الأخطاء. ويقول إنه إذا لم تدرك تل أبيب أهمية التوصل لسلام مشرف مع الفلسطينيين فإن 7 أكتوبر قد يكون بداية عصر مظلم في تاريخ إسرائيل وليس حدثا عابرا، وأنها بعدم تفاهمها مع الفلسطينيين ستكون سائرة على طريق تدمير نفسها بنفسها. ويؤكد حالة الفشل السياسي المزمن تلك، وثائقُ أفرجت عنها تل أبيب في أغسطس الماضي، كشفت أن رئيسة وزرائهم السابقة غولدا مائير فكرت عام 1970 في القبول بدولة فلسطينية. لكن الواضح أنها وفريقها غلبهم الكبرياء فضيعوا فرصة كان يمكن أن تغير مجرى التاريخ. وهذا تناقض يشابه تماما تناقضات غولدا التي صرحت قديما بأنها فلسطينية، وحملت جواز سفر فلسطينيا من 1921 وحتى 1948، ثم نكصت لاحقا وقالت: لا يوجد شيء اسمه «فلسطينيون». على نفس المنوال تحدثت شخصيات بارزة بينهم السياسي اليهودي الأمريكي بيرني ساندرز، وكتاب كثر في «الفورين أفيرز» و«النيويورك تايمز» و«الإيكونوميست»، في فترات متقاربة بعد بدء الحرب، عن فشل إسرائيل السياسي وضرورة اعترافها بحقوق للفلسطينيين والتوصل إلى تسوية تحقق التعايش السلمي. وكانت نصيحتهم الأساسية لتل أبيب هي أن تتعلم من أخطاء واشنطن في حروبها وأن تكون واقعية وأن لا تحلم بما لا يمكن تحقيقه (في إشارة إلى هدف تدمير حماس)، وألا تقضم أكثر مما تستطيع أن تبتلع. وفي «الإنترسبت» يضرب محمد بزي وهو مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، مثالا على عدم استعداد تل أبيب للتخلي عن كبريائها وغفلتها، بإصرارها على تقويض «الأونروا» لأن وجودها، وهي تابعة للأمم المتحدة، يمنح الفلسطينيين وضع اللاجئين وحق العودة إلى ديارهم. أما القضاء عليها فهو يقضي «إجرائيا» على كل ما تبقى من فلسطين، حسبما تظن تل أبيب. وحتى في أقصى شرق العالم نشرت صحيفة «جابان تايمز» اليابانية تقريرا تؤكد فيه أن إسرائيل لم تتعلم الدرس بعد، صدرته بالتالي: «إن الحمقى يتعلمون من التجربة، في حين أن الحكماء يتعلمون من التاريخ.. وهذا ما نشاهده الآن في عدم تعلم تل أبيب من دروس غزو العراق وعواقب العملية البرية في غزة، وستبوء بالهزيمة». لكن هنا يجب التساؤل: هل الغفلة والكبرياء فعلا ما يجعل إسرائيل عاجزة عن التعلم من الأخطاء؟ أم ربما السبب شيء آخر. مثلا، «التذاكي» أو الغباء السياسي والحسابات الخطأ؟ لماذا نستبعد ما قيل عن أن هجوم 7 أكتوبر كان يمكن إيقافه ولكن تل أبيب تركته يقع لتحقيق أجندات خاصة بها. أجندات تظن أن وقتها قد حان لتصفية القضية برمتها وتهجير الفلسطينيين بالكلية من أراضيهم. ولذلك ملأت الدنيا نباحا بأنها ستقضي على حماس نهائيا، مستغلة ذلك لتنفيذ إبادة جماعة في غزة. الواضح أن إسرائيل، وكما أجمعت المصادر السابقة وغيرها، غلبت عليها شِقْوتُها، وأخطأت مجددا في حساباتها، ولم تتوقع استعدادات المقاومة وقدراتها، وهنا كانت مفاجأتها الحقيقية، التي ستجعلها تغص بما قضمت وتدمر نفسها عاجلا أو آجلا. هنا يؤكد بنْ مختتما دراسته أن لا أحد في إسرائيل يفكر في السلام وأنه تجب العودة لعصر «ما قبل نتنياهو» والاعتراف بوجود الفلسطينيين وطموحاتهم. لكنه يرى أن لاشيء سيتغير وأن سياسة القوة المفرطة ستستمر بوجود نتنياهو أو بزواله، وأن إسرائيل، بذلك، لن تجني إلا المزيد من الكوارث والدمار.