15 سبتمبر 2025
تسجيلتزامنت الزيارة الرسمية التي أداها حضرة صاحب السموالشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن مع عديد التحليلات السياسية والتعليقات الإستراتيجية، التي وإن اختلفت منطلقاتها فهي تتفق على الإقرار بحقيقة أكيدة وهي أن دولة قطر، كما قال أحد الملاحظين أصبحت قوة دبلوماسية مركزية وذهبت التحليلات إلى تفسير هذه الظاهرة لدولة صغيرة الحجم جغرافيا تمسكت بأصول القانون الدولي في كل مواقفها إزاء ملفات الأزمات والصراعات، وتشبثت قيادتها بالحقوق المعترف بها أمميا وهوما حدا بالسيد غوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أن يطلق على دولة قطر نعت (الدولة الأممية) بسبب التعاون الوثيق بين قطر وسائر المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة ثم جاء سيل من ردود الفعل الأمريكية ذاتها عن طريق صحافتها الشهيرة والنزيهة لتنزل سياسة قطر منزلة اللاعب الأساسي في قضايا إقليمية وعالمية طالت وتحولت إلى مخاطر على السلام والأمن الدوليين، ونقل الإعلام مباشرة ما قاله الرئيس بايدن لحضرة صاحب السموالأمير وهويستقبله في البيت الأبيض ومحتواه أن الولايات المتحدة "تستقبل في شخصه صديقا وحليفا وقف إلى جانب الأمة الأمريكية حين أردنا إنهاء حربنا في أفغانستان، وأجلت طائرات القطرية آلاف الأمريكيين وحلفائنا والأفغانيين عندما وضعت الحرب أوزارها، ثم إن صاحب السموأنصف الفلسطينيين وساعدهم ولا يزال في التخفيف من معاناتهم في كنف القانون الدولي والشرعية". هذه الشهادة من أعلى هرم السلطة لأقوى دولة في العالم تلخص بصدق نجاعة وحكمة المواقف القطرية ومنزلة قطر في إدارة الأزمات الدولية. وفي هذا الصدد كتب أنيس منصور (نفس اسم الكاتب المصري المتوفى) مقالا في صحيفة (إيلاف) بتاريخ 7 فبراير 2022 جاء فيها: "حين تتوفر الإرادة السياسية القوية والتخطيط الحكيم تكون النتيجة أن دولة صغيرة في المنطقة مثل قطر قادرة على أن تغدو بمثابة قلعة مركزية قوية في محيط مضطرب ومرتبك ولا يعرف كيف يدير علاقته بالعالم. صحيح أن قطر ليست الدولة العربية والخليجية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع القوى الكبرى في العالم أمريكا وغيرها.. لكنها مختلفة عن الجميع وهذا ليس كلاما إطلاقياً دونما علة واضحة بل سأقول تباعاً لماذا هي مختلفة. مبدئياً يمكن الجزم وبشكل حاسم بأن قطر هي الدولة العربية والخليجية وربما الإسلامية التي تتمتع بعلاقات استثنائية مع القوة الكبرى الأولى في العالم أمريكا. وما دعوة الكونغرس الأمريكي لإدراج قطر في قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2022، إلا دليل إضافي وشاهد أخير على أن قطر نموذج مختلف ومتميز من جوانب كثيرة. لعل ما يميز قطر ليس امتلاكها علاقة قوية مع أمريكا فحسب، بل طبيعة تلك الشراكة ونوعيتها وبلغة أكثر دقة يمكن القول: إن قطر قدمت نموذجاً لشراكة فاعلة مع أمريكا مع احتفاظ كامل باستقلاليتها ومواقفها الحرة من قضايا المنطقة دون ارتهان للحليف القوي. الحدث الأخير الذي تم بموجبه رفع مستوى الشراكة القطرية مع أمريكا هو أن أمريكا دولة ذكية لا تقيم خططها الإستراتيجية بناءً على ما تقدمه لها الدول من ولاء مطلق ومشبوه أحيانا، بل اعتماداً على تقييمها لمدى جسارة وثقة هذا الحليف والصيغة التي يقدمها في تحالفه معها. أي أن أمريكا تدرك طبيعة التصور المتوازن والفاعل الذي تقدمه لها قطر في سبيل شراكتها معها وتثق بأنه تصور يتمتع بديمومة ويقوم على مستوى من الاعتداد بالذات مع الكفاءة بالالتزام بما يعد به دونما مبالغة في الخضوع ولا شك في القدرة على تأدية متطلبات الشراكة. ولعل دور قطر الأخير في ما يخص الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ورعايتها لمفاوضات الانسحاب وتحركها الفاعل في إجلاء رعايا بالآلاف وبكفاءة عالية وكل ما قدمته في ما يتعلق بهذا الحدث كان شهادة كفاءة لقطر أسهمت في تخفيف مزالق كثيرة من واقعة الانسحاب والارتباكات التي رافقتها وربما لولا قطر لكانت ورطة "بايدن" في إدارة الانسحاب أكبر مما يتوقعها أحد. في كل علاقات أمريكا، تبدوالدول المتحالفة معها أكثر احتياجاً لها من حاجة أمريكا لتلك الدول، فيما قطر وصلت طبيعة العلاقة بينهما لدرجة إحساس أمريكا أن وجودها وصورتها كقوة عظمى ستهتز كثيرا فيما لو لم يكن لديها حليف فعال ونوعي يسعفها لتلافي أخطاء كثيرة، أو لنقل: حليف تحتاجه بمستوى حاجته لها وبما يجعل العلاقة تتأسس على قاعدة "الندية المتكافئة معنوياً" وليست علاقة تبعية واستجداء مع التنبيه لطبيعة الفوارق في القوة بين الطرفين وهذا بديهي في علاقة أمريكا مع أي دولة بالعالم. لكن ما يهمنا هنا هوهذا التماثل المعنوي والإحساس المتبادل لدى الطرفين بأن تحالفهما يقوم على حاجة مشتركة وليس تابعا ومتبوعا. هناك نقطة مهمة تفسر طبيعة الشراكة المتميزة لقطر مع أمريكا وهو أن ما تقدمه قطر لأمريكا ليس مجرد أدوار عادية يمكن لأي حليف آخر أن يحل محل قطر في تأديتها، بل أدوار استثنائية بالمفهوم الإيجابي ونوعية تلك الأدوار تعود لأوراق القوة لدى قطر والمتمثلة في علاقاتها وحضورها المركزي في قضايا كثيرة مهمة ومتشابكة، ولعل ما أشرنا له مسبقا عن دورها في الملف الأفغاني مثال لهذا. فقطر تنتهج إستراتيجية كاملة في تأسيس علاقات نوعية مع كل الجهات والأطراف والقضايا الساخنة في المنطقة وتشتغل لتعزيز حضورها في كل مكان وبما يجعلها قادرة في أي لحظة أن تكون الطرف المركزي في رعاية أي توافق وحوار وتقارب في أي قضية مهمة لكونها الحليف الذكي، والطرف الذي يراه العالم متميزا في إدارة سياساته بعقلانية وتوازن". هذه ومضات من تعليقات أمينة حول ما أصبح يسمى (ظاهرة القوة القطرية الناعمة في العلاقات الدولية). [email protected]