13 سبتمبر 2025

تسجيل

أساطير الإمبراطوريات الكبرى

14 فبراير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بوسعنا أن نمارس التعصب، رياضتنا المفضلة!، ونقول إن الصحفي الأمريكي "ديوين ديكر" ليس إلا تلميذاً للعلامة المصري "الدميري".و"ديكر" هو الصحفي الذي رصد ـ ببعض التعسف ـ ظاهرة تقول إن كل خامس رئيس أمريكي يتم اغتياله أو يلقى مصرعه على نحو غامض، ونشر هذه الفرضية في مقال في العام 1962.و"الدميري" هو: كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى بن علي الكمال، أبو البقاء، الدميري الأصل، القاهري الشافعي، ولد في القاهرة سنة 742هـ وتوفي 808 هـ، وله مؤلفات أهمها "حياة الحيوان الكبرى" الذي يعد موسوعة في علوم الأحياء والتاريخ والفقه واللغة، وفيه طرح "الدميري" فرضا متعسفا بأن كل سادس قائم بأمر الأمة إما أن يقتل أو يخلع.والتشابه بين الفرضين مرجعه أن كلاً منهما يمثل ذهنية إمبراطورية كبرى. هي دولة المماليك بالنسبة للدميري، والولايات المتحدة.الحاكم في دولة المماليك كان يسمى "السلطان"، أي أنه كان رجل سلطة زمنية مطلقة، وكانت دولة المماليك عسكرية، والجيش فيها هو "مفرخة" الحكام والقيادات. أما "أمريكا" فحسبنا أن الأمريكيين يطلقون على "وليم ماكنلي ـ 1897 - 1901" لقب الرئيس الإمبراطوري الأول، بفضل انتصاره على الأسطول الإسباني في معركة كانت مجزرة، دانت بعدها أمريكا الشمالية والجنوبية والمحيط الهادئ لنفوذ الولايات المتحدة. وبما أنه "الإمبراطوري الأول" فبديهي أن كل من تلاه "إمبراطوري" آخر.والإمبراطوريات الكبرى تحيط نفسها بالأساطير، لأن إحساس مواطنيها بذاتهم يتضخم، وفي النهاية يسفر الأمر عن شعور عنصري بالتفوق والتميز. هذا الشعور الذي لا يعبر عن نفسه في "التعالي" فحسب، بل يتمثل أيضاً في الميل إلى "أسطرة" الواقع، أي تحويل ما هو عادي ويومي إلى رموز وأساطير، في تعبير عن إحساس أبناء الإمبراطورية بأن قوانين أخرى ـ غير مألوف البشر ـ تحكم حياتهم، ومن هذه الأساطير حكاية أن كل خامس حاكم ـ أو سادس أو عاشر.. لا يهم الرقم ـ يلقى مصيراً مأساويا.ولبيان تعسف الفرض، نقول إن الإحصاء الأمريكي يستثني الرؤساء الثمانية الأوائل ـ وخامسهم "جيمس مونرو" ـ بدون أن يفسر سر عدم خضوعهم لفرضية "الخامس المقتول أو الميت"، ومرور رئاستهم جميعا بسلام. ثم إن هؤلاء الرؤساء حكموا لمدة 13 ولاية، حيث نجح بعضهم في ولايتين متصلتين، والإحصاء مرة يعتد بشخص الرئيس، ومرة يعتد بالفترة الرئاسية (4 سنوات) وهذا تعسف واضح، نتج عنه اعتبار "إبراهام لنكولن" ـ الذي اغتيل ـ الخامس بعد "وليم هاريسون" ـ الذي توفي في ظروف غامضة ـ والصحيح أن "لنكولن" هو الثامن إذا افترضنا أن "هاريسون" هو الأول، حيث تلاه: جون تايلر، وجيمس بولك، وزخاري تايلور، وميلارد فيلمور، وفرانكلين بيرس، وجيمس بيوكانان، ثم لنكولن السادس عشر في قائمة الرؤساء، والثامن بعد "هاريسون".أيضا فإن القتل أو الموت لم يكن مصير الرئيس الخامس وحده، فـ"زخاري تايلور" الرابع بعد "هاريسون" والثاني عشر في قائمة الرؤساء، مات بعد سنة واحدة في البيت الأبيض (1849 ـ 1850). كما أن "جيمس جارفيلد" تعرض للاغتيال، وهو السادس ـ وليس الخامس ـ بعد "لنكولن"، إذ إن "يوليسيس جرانت" حكم لفترتين متتاليتين ما يجعلنا ـ حسب منطق "ديكر" الإحصائي نحتسبه باثنين، وبهذا يكون "جارفيلد" هو السادس.ولا تندهش حين تجد التعسف نفسه والتلاعب بالمعايير عينه موجوداً عند "الدميري" في سبيل تعزيز أن كل سادس قائم بأمر الأمة يقتل أو يخلع، ولن تحتاج إلى جهد كبير لتعرف أن "الدميري" يحاول ليَّ عنق الحقائق، وأنه واقع تحت تأثير "أوهام الإمبراطورية" التي تكبر في عين مواطنيها وتملأ رؤوسهم بالأساطير، و"تنفخهم" حتى ينفجروا في نهاية المطاف!.