22 سبتمبر 2025

تسجيل

حكومة الإخوان الأولى في مصر

14 فبراير 2012

تتواتر التصريحات الصادرة عن قيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حول ضرورة إقالة الحكومة الحالية بقيادة الدكتور كمال الجنزوري وتشكيل حكومة جديدة يقودها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة بمشاركة عدد من الأحزاب الأخرى. وكان آخر هذه التصريحات تلك التي صدرت عن نائب مرشد عام الجماعة، المهندس خيرت الشاطر. وقد أثارت تصريحات الشاطر عددا من التساؤلات عن الأسباب التي تدفع الإخوان إلى المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني بقيادتها الآن في حين أنها رفضت الانضمام إلى الحكومات الثلاث التي تشكلت بعد الثورة. ربما يمكن القول إن هناك أسبابا دفعت الجماعة إلى عدم المشاركة في الحكومات السابقة، كان أبرزها الحالة التي سيطرت على المجتمع المصري بعد الثورة، والتي اتسمت بالضبابية وعدم اليقين فيما يخص عملية إدارة المرحلة الانتقالية. وهو ما جعل الجماعة تخشى الدخول في لعبة تجهل أبعادها الكاملة في ظل سيطرة تامة من قبل المؤسسة العسكرية التي آلت إليها السلطة بعد تنحي الرئيس مبارك. فضلا عن دخول القوى السياسية في صراع حول الطريق الأمثل لعبور تلك المرحلة، حيث كان السؤال الكبير: الدستور أولا أم الانتخابات؟ وقد خشيت الجماعة من المشاركة في ظل هذا الصراع الذي سيدفع القوى السياسية المتنافسة إلى عدم التعاون مع أية حكومة يشارك فيها الإخوان، خاصة أن أحجام تلك القوى لم تكن قد تحددت بعد عبر آلية واضحة مثل الانتخابات. يضاف إلى ذلك أن محدودية الصلاحيات التي كانت تتمتع بها تلك الحكومات، فيما عدا حكومة الجنزوري التي أصبحت تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية، جعل القوى السياسية التي تشارك في هذه الحكومات غير قادرة على تنفيذ أية برامج سياسية تساعدها على إدارة المرحلة الانتقالية بكفاءة أكبر وبقدر أقل من التضحيات. وهو ما جعل الجماعة تخشى على نفسها من دفع أثمان تلك المشاركة إذا لم تستطع تقديم ما ينتظره منها الشعب المصري. ولعل التطورات التي شهدها المجتمع خلال الشهور الماضية دليل على بعد نظر الجماعة، حيث وقعت سلطة الأمر الواقع، الممثلة في المجلس العسكري، في أخطاء كبيرة دفعت ثمنها من ثقة وحب الشعب المصري للمؤسسة العسكرية، فضلا عن الرفض الكبير لحكم هذه المؤسسة، حيث تحول الوضع الذي نشأ بعد الثورة من حب وتقدير لها إلى كراهية ورفض لسياساتها ومطالبتها بالتخلي عن الحكم لسلطة مدنية تستطيع إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية بشكل أفضل. لكن إذا كانت هذه هي الأسباب التي دفعت الإخوان إلى عدم المشاركة في السابق، فما الذي يدفعهم إلى السعي ليس فقط للمشاركة، ولكن لقيادة الحكومة الجديدة؟ لعل أول هذه الأسباب هو تغير كثير من الظروف التي منعتهم من المشاركة في السابق. وأبرزها تلك المتعلقة بالسيطرة الكاملة للمؤسسة العسكرية على الحكم، خاصة بعد الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها المجلس العسكري وأجبرته تحت ضغط الشارع والقوى السياسية إلى تفويض سلطاته لرئيس الحكومة. ما يعني أن حكومة الإخوان في حال تشكيلها ستكون قابضة على هذه السلطات، وبالتالي ستكون فرصتها أكبر في تحقيق نتائج جيدة على صعيد تنفيذ برنامجها السياسي لتحويل مصر إلى دولة ديمقراطية، فضلا عن إنقاذ البلاد من محاولات فلول النظام السابق لإثارة الفوضى فيها. كما أن الفوز الكبير الذي حققه الإخوان في الانتخابات التشريعية وظهور الحجم الحقيقي لهم مقارنة بالقوى السياسية الأخرى، أعطى شرعية أكبر للجماعة في المطالبة بتشكيل الحكومة دون خشية من رفض باقي القوى السياسية لذلك، حتى وصل الأمر بتلك القوى السياسية ذاتها إلى مطالبة الإخوان بتشكيل الحكومة لإنقاذ البلاد من حالة التردي التي تعيشها. تؤكد القراءة الجيدة لسلوك الإخوان طوال الشهور الماضية، فضلا عن التجربة التاريخية للجماعة منذ نشأتها، أنها تعمل وفق إطار مؤسسي دقيق لا يتوافر لباقي القوى السياسية الأخرى في مصر، ولعل هذا ما دفع البعض إلى القول إن المؤسستين الباقيتين الآن في مصر هما المؤسسة العسكرية ومؤسسة الإخوان. وهذه المؤسسية هي التي وفرت للإخوان القدرة على اختيار التوقيت الصحيح للمطالبة بتشكيل الحكومة الجديدة من أجل البدء في تنفيذ البرنامج الشامل الذي أعدته للانطلاق بمصر إلى مرحلة جديدة من التقدم والازدهار الذي وعدت به الشعب المصري. والسؤال: هل تنجح في تحقيق الهدف كما نجحت في اختيار التوقيت؟