12 سبتمبر 2025

تسجيل

بهاء الثورة

14 فبراير 2011

تطل مصر من بهاء ثورتها التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير المنصرم معلنة أنها باتت تمتلك روحا جديدة وتوهجا مغايرا عن كل أزمنتها السابقة بعد أن نجح شعبها في شطب ثلاثين عاما من حكم سعى بكل قوة خاصة خلال العقدين الأخيرين من عمره إلى الاستحواذ على عناصر القوة ومقومات الثروة مزيفا الحقائق مبعدا كل مبدع متيحا الفرص لناهبي موارد الوطن والفاسدين بعد أن أمتطى جواده نفر ممن يفتقرون إلى محددات الوطنية ويرتدون أزياء اللصوصية وهو ما يتم الكشف عنه يوما بعد يوما. نجحت الثورة في فرض إرادتها وخرج الرئيس حسنى مبارك من كهنوت واحد من أهم معابد السلطة في الدنيا بعد أن حاول أن يوحى للعالم أن مصر من دونه مآلها إلى الفناء والفوضى وهو ما يستوجب على الثوار الجدد المحاطين بحماية وحدب القوات المسلحة وكل طوائف الشعب أن يقدموا نموذجا سياسيا جديدا للوطن يقوم على تطبيق ما دعوا إليه من عدالة وحرية واحترام للإنسان غير أن ذلك يستلزم من هؤلاء الثوار ألا ينخرطوا في العمل بعيدا عن خبرة الكبار وتجربة الشرفاء من أبناء مصر والأهم هو تجنب الدخول في منطقة الانقسام والذي بدت نذره أمس الأول بميدان التحرير مع توالي صدور بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد فقد رأت مجموعة من الشباب أن هذه البيانات تكفل تحقيق أهداف الثورة بشكل كامل بينما رأى آخرون أن الثورة مستمرة في الميدان لحين تحقيق الأهداف المرجوة منها، وهي إلغاء قانون الطوارئ فورا والإفراج عن جميع المواطنين ووضع دستور جديد للبلاد وتشكيل حكومة انتقالية وطنية يرتضيها الشعب وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي جديد يكفل حقوق الإنسان ويتم استفتاء الشعب عليه، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية وضمان حرية الإعلام وحرية تدفق المعلومات للصحفيين والحصول عليها وإلغاء المحاكم العسكرية. ولاشك أن ثمة أجماعا على مشروعية هذه المطالب التي تشكل برنامج عمل الزمن الآتي في المحروسة بيد أنه في المقابل ينبغي الإدراك أن المكاسب التي حققتها ثورة الخامس والعشرين من يناير قد تجاوزت سقف التوقعات المنتظرة منها وهو ما تبلور في إجبار الرئيس مبارك على مغادرة موقعه العتيد على رأس السلطة في مصر وبالتالي فإن المطلوب هو أن ينتبه هؤلاء النفر من الشباب المخلصين الأنقياء إلى أن دوائر في الداخل وفي الخارج تتطلع إلى تمزقهم وتنافسهم خاصة في ظل غياب قيادة موحدة لهم خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة من عمر الثورة وفي الوقت ذاته التعامل بدرجة من الواقعية والعقلانية التي تكفل التعاون مع القوى السياسية والوطنية ومع قيادة المؤسسة العسكرية التي انحازت إلى خياراتهم في التغيير الجذري بعد أن اعتبرت أن مطالبهم مشروعة على نحو يجعلهم ضمن النخبة التي بمكن الاستعانة بها في إدارة المرحلة التي ستعقب المرحلة الانتقالية خاصة أن مجموعات سياسية مصرية نشطة أخذت تنادي باستبعاد من تجاوزا الستين من الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية وغيره من المواقع المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة لإعادة الحيوية إليها بعد أن أصابها الوهن والركود والترهل والشيخوخة في السنوات الأخيرة وثمة من يدعو شباب الثورة بإلحاح في هذا السياق إلى أهمية آلا تنساق لأي صراع جانبي يفرض عليها لتفريغ طاقتها سواء كان صراعا حول الدين أو إسرائيل أو السياسة أو الأيدلوجية أو أمريكا أو الغرب أو غيرها من الصراعات الجانبية التي يمكن أن تشتت انتباه المصريين فكل هذه القضايا هامشية ولا تتعلق بجوهر الثورة وهي بناء مصر والمصريين وبالتالي فانه يتعين عليها إغلاق أي باب يفرغ طاقتها أو يشتت انتباها فمن الآن وصاعدا فإن العالم سوف يسعى لمعرفة المزيد عن تلك الثورة وسينطلق من منطلق شكي ناقد خائف متوجس فسمة الغريب الاقتراب بحرص مما يجهله ورفض الإفصاح عما بداخله أو عما يحمله من تحيزات داخلية عديدة وعميقة تخيفه وتقلقه بل وترعبه أحيانا. وهنا فإنني أتفق مع الباحث السياسي المصري علاء بيومي بضرورة أن يتسم ثوار الخامس والعشرين من يناير في نظرهم للخارج بقدر من التواضع فثورتهم لن تغير العالم ولن تغير الشرق الأوسط، وسوف تحتاج لسنوات وربما لعقود لإعادة بناء مصر، كما أن العالم مليء بالقوى الأخرى القلقة والمتحفزة وهي لا تبحث عن دولة شابة جديدة صاعدة تريد أن تغير كل ما حوله فالسياسات الدولية والإعلام والفكر السائد بطبيعته محافظ جبان يخشى القفزات السريعة ومن ثم فانه يستوجب عليها – أي الثورة - التركيز على الداخل فأمامها مهمة شاقة لإعادة بناء مصر من ثقافة وتعليم وصناعة واقتصاد وهوية ومؤسسات سياسية وبعد ذلك ووفقا لمدى نجاح مصر في صناعة مستقبلها سوف يتحكم في سياستها الخارجية والتي يجب أن تقوم على السلام والعدل والحرية للجميع الأمر الذي سيتطلب منها أن تستعد للحديث للعالم وتوعيته بصورتها الصحيحة وتزويده بمعلومات كافية عنها، لذا فإن المأمول من الثورة وكل المسؤولين عنها أن تكتب عن نفسها وتحدد رسالتها الإعلامية وأن تبني صورتها قبل أن يبنيها لهم الآخرون. وثورة مصر مطالبة في المرحلة القادمة من خلال تفاعلها مع القوى الحية بالمجتمع المصري بالتركيز - كما فعلت بنجاح على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية - على مفاهيم الوحدة والتسامح والسليمة واللاعنف والبناء والمستقبل والتعليم والثقافة والحرية والكرامة والمساواة والسلام وأن تدرك أن الوقت الحالي ليس وقت تصفية الحسابات،أو الحديث عما عانه المصريون أو عن مخاوفهم وإنما التأكيد دوما على أن المصريين هم وحدهم القادرون على بناء مستقبلهم، وأن العمل أهم من الكلمات، وأن الكلمة الطيبة هي الحوار الوحيد مع الأخر وأن تنظر في الآن ذاته إلى أن بناء مصر قوية في هدوء وتدريج وسلام وإيجابية هو أكبر نصرة لمصر والمصريين ولكل من ينتظر مصر قوية عزيزة وشامخة. وإذا كان ثمة من يتخوف من المؤسسة العسكرية خلال فترة توليها إدارة شؤون البلاد فإن قيادتها عبر العديد من البيانات التي تتسم بالصياغات الواضحة والمحددة والعبارات المفهومة الغير قابلة للتأويل على أكثر من وجه قدمت ما يمكن اعتباره مرتكزات تطمين للشعب ونخبه السياسية المتطلعة إلى زمن الحرية والعدالة الاجتماعية وذلك بتأكيدها على أنها لن تكون بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب وإصرارها على تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديمقراطي الحر، الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء الدولة الديمقراطية الحرة. ولعل حرصها على تجنب استخدام القوة ضد المتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات التي طالت بأكثر مما تتحمله بحكم طبيعة أدوارها ووظائفها التي ترتكز على حماية حدود الوطن الخارجية بالدرجة الأولى يؤشر إلى قدرتها على تطبيق وعودها بالعودة سريعا إلى ثكناتها وترك الأمر للساسة بعد أن تكون قد حددت خارطة طريق للزمن الآتي في مصر الجديدة. والشاهد أن المؤسسة الدينية - وأقصد بها الأزهر الشريف - قد عبرت دخلت على هذا الخط وذلك من خلال تعبيرها في بيان أصدره شيخها فضيلة الدكتور أحمد الطيب عن ثقتها في أن ما وعد به المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورجاله الشرفاء بمصر من أنه لا بديل عن الشرعية هو وعد الأحرار الأوفياء الذين يرعون هذه القيم والمبادئ بكل إخلاص وتقدير، معربة في الوقت نفسه عن أملها في أن تتم الإجراءات المؤدية إلى الانتقال السلمي لسلطة منتخبة وإلى إلغاء كل الإجراءات الاستثنائية في أقرب وقت ممكن بإذن اللـه تعالى. وذلك يبعث على المزيد من الاطمئنان في أداء المؤسسة العسكرية خلال الأشهر الستة القادمة وهي عمر الفترة الانتقالية قبل الولوج في بناء النظام السياسي المدني الجديد في المحروسة. السطر الأخير: لمن تدق أجراس الثورة معلنة وأد الصمت والعتمة؟