16 ديسمبر 2025
تسجيلمرة أخرى يضرب الإرهابيون الضالون إسلامنا وأمتنا في القلب بجريمة وحشية استهدفت صحفيين فرنسيين في مجلة أسبوعية لديها خط تحريري ساخر ومنتقد وليس لديها عداء لأي دين ولا أي أمة، هذا لو ثبت أن ما قيل لنا صحيح، لأن تحريك بعض الشباب بالريموت كنترول من قبل قوى شيطانية أمر وارد ولا نعلم إلى اليوم حقيقة 11 سبتمبر بعد 14 سنة! وقتل الإرهابيون رجال أمن فرنسيين من بينهم مسلم فرنسي من نفس جيل هؤلاء الضالين ونتذكر كيف ضرب الإرهابيون بلادنا تونس حين قتلوا شبابا من جيشنا الوطني الحارسين لحدودنا والحماة لأمن إخوانهم الأبرياء في جبل الشعانبي فارتكبوا مذبحة لم نعرف وحشيتها من ذي قبل وقتلوا أبناءنا في كمين أرادوا به أن يروعونا جميعا ويحولوا الفضاء السياسي إلى فضاء دموي وذلك بعد أن اغتيل شهداء من بين خيرة زعماء الرأي في تونس أمثال لطفي نقض وشكري بلعيد والحاج محمد البراهمي. وأخيرا وخلال الأسبوع الماضي تم ذبح بعض شباب الأمن لمجرد انتمائهم لسلك الأمن لترويع المجتمع.هؤلاء الذين يروعون الشوارع الآمنة ويزرعون الحقد ويدمرون العمران ويبيدون الحضارة ويفوتون على حضارة الإسلام فرصة السلام والتقدم والحريات. مرة أخرى يرتكبون جريمة، لا ضد الأبرياء الضحايا، فرنسيين وعربا، بل ضد المسلمين أينما كانوا وضد الإسلام ومجده وتاريخه وشعوبه ومصالحه، هذا إذا أثبتت الأبحاث أن القتلة ينتمون إلى تيارات دينية متطرفة، لأن التغيير الحاصل في البرلمانات الأوروبية نحو نصرة القضية الفلسطينية هو ظاهرة جديدة وليس من المستبعد أن تتحرك قوى خفية من جهات مشبوهة لبث الرعب تحت ستار التطرف الإسلامي إمعانا في الفتنة وفي عملية تغيير اتجاه الرأي العام الأوروبي وإخفاء المجرمين الحقيقيين عن المحاسبة والانكشاف، ثم جني ثمار الحقد على العرب والمسلمين في المجتمعات الغربية وقد وجدها نتنياهو فرصة ليدعو من باريس يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل!لكن مهما كان القتلة وكان محركوهم أو المستفيدون من جرائمهم فإنهم يقدمون للعالم تبريرات لإلغائنا من دورة التاريخ والحضارة ومن فلك التقدم والديمقراطية والعدالة، ليعتقد العالم أن الإسلام والإرهاب شقيقان وأن العنف والعرب توأمان!، والأخطر الإيحاء بأن العرب غير مؤهلين لنظام ديمقراطي حداثي سليم وهو ما يتيح للقوى الاستخرابية الجديدة النادمة على التفريط في مواقع أقدامها في بلادنا العودة بأشكال مبتكرة ومتطورة لإعادة استخرابنا ونهب ثرواتنا وفرض ثقافتها ولغتها علينا. إن الأيدي الخفية كثيرة وأصحاب المصالح المشبوهة لا يرضون لنا جميعا، لا حرية القرار ولا سيادة الخيار ولا سلام الإخوة الأحرار.ما الذي يبرر قتل أصحاب رأي ورجال أمن بطريقة أبشع مما يتخيل عقل أو يتصور فكر وهم من أبناء الشعب العاديين لا يمكن تصنيفهم ضمن معتدين أو غاصبين، بل لعل أغلبهم ممن ينتقدون حكوماتهم أو يعارضون سياساتها أو حتى يتظاهرون ضدها أو يناصرون قضايا الحق في فلسطين في مجتمعاتهم الحرة! على كل، فهؤلاء الضحايا الأبرار هم إما آباء لأطفال صغار يتمتهم يد الغدر أو يعدون لحفل زفافهم فكانت الفاجعة المروعة منذ أيام هزت الضمائر، بل قلبت هذه الجريمة النكراء المرتكبة في باريس علينا، نحن المقيمين في الاتحاد الأوروبي، الرأي العام ولعلها تصب في خانة اليمين العنصري المتطرف الساعي إلى إقصائنا، وسعدت شخصيا حين سمعت النخبة السياسية الفرنسية تدعو للتفريق بين الإرهاب وبين الإسلام وأن الإرهاب لا دين له.وفي تونس قلبت تلك الجرائم موازين حياتنا السياسية وزلزلت الأرض التونسية من تحت أقدامنا. وتذكرنا أن الأمم يبتليها الله سبحانه كما يبتلي الأفراد، بل إن رسولنا الكريم وخاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، كاد أن ييأس من النصر في إحدى الغزوات لكثرة المشركين فنزلت الآية 214 من سورة البقرة، قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب).فقد صور القرآن هنا بشكل رباني ساحر بليغ حالة المجاهدين وراء رسول الله، ينشرون الدين الحنيف ويرفعون رايته، فوصف بلوى هؤلاء الرواد الأبرار بالبأساء والضراء والزلزال ووصف موقف الرسول الأعظم بالاقتراب من اليأس، حين قال: (متى نصر الله)، فجاء الجواب من رب العالمين: (ألا إن نصر الله قريب). إن العبرة من هذه الآية المجيدة أن الأمم تواجه منذ قرونها الأولى أعتى المحن فتصمد وتصبر وتجاهد ونتمنى أن تكون أمتنا المسلمة ومنها شعبنا التونسي إزاء هذه المحنة أقوى وأصلب عودا وأشد تلاحما وأكثر تمسكا بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والالتفاف حول الوطن ونصرته والذود عنه بقلب رجل واحد وبكلمة سواء بين كل الفرقاء من أجل توافق استعجالي ينقذ البلاد من المؤامرات العديدة القديمة منها والجديدة التي تهدد أمننا ومستقبل عيالنا لا قدر الله. ما الذي يفسر ظاهرة الإرهاب الأعمى الذي لا يفرق في جرائمه بين مذنب وبريء، فيقتل هذا أو ذاك من باب الترويع وبث الفوضى، وهو قتل النفس بغير حق واعتبره الله تعالى في القرآن كقتل الناس جميعا وهي كبيرة الكبائر.ما الذي يدفع بشرا أسوياء إلى الفوضى وبذر الفتنة بين معتنقي دين واحد أو مواطني بلاد واحدة تعودت على التعايش وتقاسم السراء والضراء بلا طوائف وبلا ملل ولا نحل تحت شعارات فوضوية تلبس أحيانا قناع الأيديولوجيا وأحيانا قناع الدين، والدين براء مما يعملون. هؤلاء الذين زينوا لأنفسهم أو زين لهم دعاتهم بأن الجهاد هو قتل الأبرياء ليسوا إلا ضحايا مغررا بهم ولكن من أوكد واجباتنا اليوم أن نشخص هذا الداء ونرجع إلى مسؤولياتنا نحن في الفشل الذي منينا به في توجيه شبابنا الوجهة الخيرة الأمينة. فلنعتبر أن ثورتنا الحقيقية هي حضارية تشمل إعادة النظر في فلسفة التربية والتعليم ومناهج العدالة الاجتماعية وتوزيع خيرات التنمية بعدل، أي أننا مدعوون لإعادة النظر في ما نسميه نمط الحياة حتى يكون النمط المنشود خلاصة تناصحنا ووفاقنا من دون إقصاء. هل كتب علينا نحن المسلمين، أن نكون في زمن العولمة والاتصال وحوار الحضارات، كأننا العدو المتربص بالإنسانية والعضو الغريب المزروع في جسد البشرية الذي يجب استئصاله! هل نرضى بأن يطردنا العالم من دائرة التاريخ ونتحول إلى أجسام كالطحالب الشريرة لا نستحق حتى اسم البشر، لأن البعض النادر من شبابنا ضل الطريق واختار الفوضى واعتنق الإرهاب! ثم إن الغرب مطالب أيضا بمراجعة مواقفه كما نصحه يوم الخميس الماضي رجل الدولة النزيه (دومينيك دو فيلبان) رئيس الحكومة الفرنسي الأسبق حين قال: إن الاتحاد الأوروبي أخطأ في التعاطي مع القضايا العربية والإسلامية الساخنة وحين انحاز ضدها في ممارسات يائسة، وضرب مثلا واحدا فقال: أراد الغرب سنة 2001 أن يضرب الإرهاب حين كان مركز الإرهاب سنة 2001 منحصرا في أفغانستان والنتيجة العكسية اليوم هي أن مراكز الإرهاب تعد بـ13 مركزا في الشرق الأوسط، مما يؤكد أن سياسة الغرب الجائرة ضاعفت الإرهاب 13 مرة بعد 13 سنة حين فات الغرب أن مجزرة غزة وقتل 2500 غزاوي بريء ليست إرهابا، بل الإرهاب هو فقط قتل صحفيين في مجلة (شارلي إيبدو)!. والله سبحانه من وراء القصد.