15 سبتمبر 2025
تسجيلتتفنن أنظمة عربية كثيرة بدفن الأمة في مستنقع التخلف والجهل والأمية والديكتاتورية والفساد، ولا تدخر جهدا لإدامة هذه الحالة بكل الوسائل، وهذا بالضبط ما تقوم به الدول الراعية للانقلاب في مصر، فهي لم تتوقف عند حدود المساندة المعنوية، بل دخلت بكليتها في صناعة الانقلاب ودعمه ماليا وسياسيا وإعلاميا، وشنت الحملات ووظفت شركات "الشيطنة" أو ما يسمى شركات العلاقات العامة من أجل تزيين الشر وترويجه وتسويقه محليا وعربيا وعالميا. بعض هذه الأنظمة العربية ذهبت في غيها إلى درجة المشاركة في "هندسة" الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر والإطاحة بالشرعية والإرادة الشعبية ونتائج صناديق الاقتراع، في محاولة يائسة لوقف حركة التاريخ إلى الأمام وعرقلة التغيير الذي يجتاح عالم العرب، وهي محاولة لن يكتب لها النجاح على أية حال.منطق الأشياء يقول إن الحكومات تصنع من أجل خدمة الشعوب للعمل على رفع سويتها بين الأمم، وهي تمثل مصالح الشعب وطموحاته وأهدافه، إلا أن الحال في العالم العربي غير ذلك، لأن الحكومات لا تمثل إرادة الشعوب، وهي في غالبيتها حكم أقليات تقف على طرفي نقيض مع الشعوب التي تحكمها، الأمر الذي يحول هذا التناقض إلى صراع بين الطرفين يودي باستقرار المجتمع والكيان السياسي ونظام الحكم، الذي يعمد إلى فرض "شرعيته" بقوة السلاح والاعتماد على المؤسسة الأمنية- العسكرية- المخابراتية، من أجل "تطويع" الشعب الذي لم يختر حكامه.هذا الواقع كسرته الثورات العربية التي انطلقت في تونس قبل 3 سنوات، وقد نجحت الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن بإسقاط رؤوس الأنظمة فيها، وتباينت النتائج بعد ذلك، لكن المصيبة الكبرى كانت مصر التي نجح ثلاثة أرباع شعبها بالإطاحة بحسني مبارك بعد 18 يوما من الثورة، وانتخب بعد ذلك أول رئيس مدني في تاريخ مصر في انتخابات شهد العالم على نزاهتها شاركت فيها الغالبية العظمى من المصريين، وحصل الإسلاميون، الإخوان المسلمون والسلفيون والجهاديون، على 75% من أصوات المصريين، وحصل الدستور الذي أنتجه برلمان منتخب ولجنة منتخبة على 64% من الأصوات. هذا الواقع الجديد في مصر أغضب العسكر والفلول والبلطجية والإعلام الفاسد ودولا عربية وأجنبية، فنسجت فيما بينها "تحالفا للشر" من أجل الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب، ودفعت الدول الخليجية الراعية للانقلاب 6 مليارات دولار خلال عام من حكم الرئيس مرسي للإطاحة به، وحولت أجهزة إعلامها إلى "أبواق" من أجل التحريض ضد النظام المصري الشرعي المنتخب، وتحولت غرف الأخبار في محطاتها إلى غرف عمليات لإدارة عملية الإطاحة، ووفرت كل الإمكانيات المادية والقواعد الخلفية في عواصمها من أجل إدارة العملية الانقلابية في مصر، باعتراف مراقبين مصريين وعرب وأجانب.ولكن لماذا تآمرت هذه الدول وحرضت وساندت وشاركت في الانقلاب على إرادة الشعب المصري؟ ولماذا تعادي رئيسا منتخبا جاء عبر صناديق الاقتراع؟ ولماذا تكره أن يكون الإسلاميون في الحكم؟ ببساطة لأنها تكره النموذج، فهي لا تريد نموذجا ديمقراطيا ناجحا في العالم العربي، ولا تريد حكومة يقودها الإسلاميون، ولا تريد للثورات العربية أن تفرز واقعا جديدا في الوطن العربي، ولهذا السبب أعلنت هذه الدول الحرب على الثورات والشعوب.يقولون "إن من يخرج العفاريت من العلبة لن يستطيع أن يعيدها مرة أخرى"، وأن من ينشر الأفاعي في الجوار لا يضمن أبداً عدم تسللها إلى بيته، وأن من ينشر العنف عند الآخرين، لن يكون بمأمن أبداً من وصوله إليه، فهذه الدول التي نشرت فيروسات الانقلاب وعفاريت العسكر في مصر لن تسلم منه، خاصة وأنها تحرض على كل صوت يسعى لوقف التدهور وعدم انزلاق الوضع هناك إلى مواجهة شاملة.في المشهد العربي كانت قطر هي الدولة الوحيدة التي اتخذت موقفا مؤيدا للشرعية في مصر، واعتبرت أن الإطاحة بالرئيس المنتخب هي انقلاب كامل الأركان وجاء موقف الدولة القطرية واضحا في بيان وزارة خارجيتها: "إن قرار تحويل حركات سياسية شعبية إلى منظمات إرهابية وتحويل التظاهر إلى عمل إرهابي لم يجد نفعا في وقف المظاهرات السلمية، بل كان فقط مقدمة لسياسة تكثيف إطلاق النار على المتظاهرين بهدف القتل، وإن ما جرى ويجري في مصر ليقدم الدليل تلو الدليل على أن طريق المواجهة والخيار الأمني والتجييش لا تؤدي إلى الاستقرار، وأن الحل الوحيد هو الحوار بين المكونات السياسية للمجتمع والدولة في مصر العربية العزيزة من دون إقصاء أو اجتثاث".هذا يدفعنا للتساؤل: ما الذي يغضب الدول الراعية للانقلاب من الموقف القطري الذي يدعو إلى "الحوار بين كل المكونات المصرية بدون إقصاء أو اجتثاث"؟ الحقيقة أن ما يزعج رعاة الانقلاب في مصر أنها لا تريد حوارا بين المصريين وتريد أن يقوم العسكر باجتثاث الإخوان المسلمين والمؤيدين للشرعية وإقصاء كل الآراء المخالفة، ولذلك أيدت وتؤيد المجازر التي ارتكبها العسكر في مصر وأدت إلى مقتل 5000 مصري على الأقل.الدعوة القطرية للحوار يقابلها دعوات للاجتثاث وشتان بين من يدعو إلى كلمة سواء ومن يدعو إلى تسعير الحرب من أجل القضاء على إرادة الشعب المصري بالتغيير والحرية والعدالة.على "رعاة الانقلاب" أن يعلموا أن إرادة الشعوب لا تهزم مهما طال الزمن، وهذا ما يضع قطر في سلة الشعوب العربية الساعية للحرية، ويركس الآخرين في تحالف الشر المناوئ للأمة وشعوبها وتطلعاتها.. وشتان ما بين قطر التي تقف في صف الخير ورعاة الانقلاب مع عصبة "المركوسين" الذين قال الله فيهم "فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا، أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا".